د.إيمان يسرى

بصمة صوت والجن

الجمعة، 12 يوليو 2024 01:33 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

منذ 4 أيام تم بحمد الله حفل التوقيع الأول لكتابي "بصمة الصوت ودورها في الكشف عن الجريمة" وذلك منذ إصداره في يناير 2024، ويُعتبر هذا الحفل هو حفل الأول في محافظة الإسكندرية، وحضر الحفل كوكبة من نجوم الإسكندرية من المؤلفين والشعراء وأساتذة الجامعات، كما ناقشني في الكتاب مستشار النائب العام السعودي، د. جلال زناتي، والذي صادف تواجده بالإسكندرية في فترة إجازة، وقدم الحفل رئيس مجلس إدارة مؤسسة حورس الدولية، أ. أحمد عبد المنعم.

صوت الجن وصوت الإنسان


وعندما تم فتح باب الأسئلة للجمهور، والتي كالعادة تسعدني كثيرا، سأل أحد الحاضرين عن بصمة صوت الشخص الملبوس! نعم "الملبوس"، أي الذي يسكن جسده جن.


وحكى واقعة حضرها بنفسه، لإخراج جن من جسم سيدة شابة، وذكر أن السيدة كانت في عقدها الثالث من العمر، وكانت تتمتع بصوت أنثوي جذاب، وعند بدء جلسة خروج الجن، أصبحت تتكلم، على مرأى ومسمع من الجميع، بصوت رجل عجوز ومسن، وسألني عن تفسير تلك الظاهرة من الناحية الصوتية، فكيف لصوت أنثى أن يتغير إلى هذا الحد!


وأيضا سأل أخر عن واقعة أخرى حضرها بنفسه عندما كان يبلغ من العمر 15 عام، وكانت الواقعة للخادمة التي تعمل في منزلهم، وكانت تقريبا في العقد الثاني من عمرها، حيث سقطت فجأة على الأرض وأصبحت تتحدث بصوت رجل!


وتساءل الجمهور عن تغيير بصمة الصوت لهؤلاء الأشخاص الملبوسين، فهل تتغير بصمة صوت الإنسان في حالة دخول الجن لجسم الشخص؟


إنه حقا سؤال جديد من نوعه بالنسبة لي، فعندما تخصصت في بصمة الصوت وخاصة علم الصوتيات الجنائي والتنكر الصوتي، لم أكن أتوقع أبداً أن يتم سؤالي عن بصمة صوت الجن والفرق بينها وبين بصمة صوت الإنسان. وبالرغم من ذلك فقد كان لدي إجابة واضحة وتلقائية، ومن ناحية أخرى أضاف د. جلال زناتي وجهة نظر ذات قيمة.


الرد القانوني


فكان رد د. جلال زناتي، فيما معناه؛ أن الإنسان والجن يختلفان من حيث التركيب والخلقة، استنادا لسورة الحجر في كتاب الله المجيد "وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ مِّنۡ حَمَإٖ مَّسۡنُونٖ (26) وَٱلۡجَآنَّ خَلَقۡنَٰهُ مِن قَبۡلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُو(27) "،  بمعنى أخر؛ لقد خلق الله الإنسان من طين، وخلق الجن من النار، فكيف لنا أن نقارن كلاهما ببعض، وهما ليسا من ذات النوع أو الفصيل، فهذا يُعد خلل بقيمة المقارنة من الناحية القانونية، وأوضح أنه كي تتم عملية المقارنة، فلابد من توحيد المعايير والقيم التي تتم على أساسها المقارنة، لكي تصبح مقارنة عادلة. وهذا الرد قانوني عادل وأيضا علمي جدا، حيث إن في كل دراساتي الصوتية في الأبحاث المختلفة لابد أن يكون هناك معايير ثابتة تتم على أساسها المقارنة بين الأصوات، أو بين صوت الشخص ونفسه في المواقف المختلفة.


بصمة صوت الجن


أما بالنسبة للرد التلقائي، الذي أجبت به عن سؤال الجمهور من الحاضرين لحفل التوقيع، إن بصمة صوت الشخص تظل كما هي في حالته العادية وفي حالة دخول جن لجسده، إذ إن ما تسمعه من تغيير في صوت الشخص، ما هو إلا تغيير في طريقة الكلام، وليس في بصمة الصوت التي تعود في الأصل للبنية التشريحية التي خلق الله الإنسان عليها، والتي لا يمكن تغييرها بدخول الجن إلى جسم الإنسان.


يمكن للجن أن يتمثل في هيئات متعددة، كما يمكن له أن يسكن جسم الإنسان ويؤثر عليه بشكل عام من خلال بعض الأعراض مثل آلام في مناطق محددة من الجسم أو تنميل في بعض الأطراف، أو يزيد من شعور الإنسان بالضيق والعصبية. ولكن عندما يحضر الجن على جسم إنسان، فتظل بصمة صوت الإنسان كما هي، لأن صوته يخرج من أجهزة النطق والكلام المعتادة لدى الإنسان، ولكن حتما تتأثر طريقة كلام الإنسان بشخصية وكينونة الجن الذي يحضر عليه؛ فإذا كان الجن ذو طبع هادئ ستجد أن صوت الإنسان هادئ، وإذا كان الجن ذو طب عصبي حاد، ستجد أن صوت الإنسان أصبح عصبي وعنيف. ولكنه نفس الصوت يخرج من نفس الإنسان، وبناء عليه فإن بصمت صوته كما هي في الحالتين (الحالة الطبيعية للإنسان وحالة حضور الجن عليه).


لتوضيح ما سبق، على سبيل المثال، إذا كان الإنسان في العقد الثالث من عمره، وحضر عليه جن صغير في السن (طفل)، سنجد أن الإنسان الذي هو في العقد الثالث من عمره ينطق ويتحدث مثل صوت الطفل، كأنه يقلد صوت طفل في حالته العادية (أي في حالة عدم وجود جن). وأيضا إذا حضر على ذات الإنسان جن كبير في السن (رجل عجوز) سنجد أن ذات الإنسان يتحدث وكأنه يقلد صوت شخص كبير في السن في حالته العادية (أي في حالة عدم حضور الجن).
وربما تلاحظ صديقي القارئ إنني قمت بتحديد سن الإنسان، ولكني لم أحدد سن الجن، لأن أعمار الجان تختلف كثيرا عن أعمار البشر، فربما يكون سن الجن الطفل أكبر من مقدار أعمار البشر أو يتجاوز مئات السنوات، وأيضا الجن الشيخ ربما يتجاوز عمره آلاف السنوات.


وهكذا صديقي القارئ، يمكن للإنسان الملبوس (أي الذي يحضر عليه جن) أن يتقمص طريقة كلام ولزمات الجن الذي يحضر عليه، ولكن لا يتقمص بصمة صوته، فإذا كنت من متابعي أفلام الرعب وبخاصة سلسلة أفلام Conjuring، بأجزائها الثلاثة، والتي هي سلسلة أفلام مقتبسة من قصص واقعية لأشخاص يحضر عليهم جن بأعمار مختلفة وصفات مختلفة؛ وكان في أحد الأجزاء، يوجد طفلة حضر عليها جن عجوز جدا ولديه كثير من الأمراض الصحية التي تؤثر على صوته وطريقة كلامه. وقام وقتها الزوجان المسؤولان عن عملية خروج الجن من جسد هذه الطفلة الصغيرة (التي عمرها لا يتجاوز العشر سنوات)، بتسجيل صوتي لهذه الطفلة وقت حضور الجن عليها. ولكن بعدها فوجئ الزوجان أن صوت الجن لم يتم تسجيله، وما تم تسجيله كان صوتهما وهما يوجهان الأسئلة إلى الجن الذي يحضر على الطفلة، أما صوت الجن فكان عبارة عن مساحة فارغة في شريط التسجيل والتي يتخللها بعض أصوات الضوضاء على مسافات متقطعة.


من أهم خطوات الحصول على بصمة الصوت، هي عملية تسجيل الصوت، فبدون تسجيل صوتي لا يمكن للخبير الصوتي مطابقة أي شخص بغيره أو بنفسه في حالاته المختلفة. وفي حقيقة الأمر لا أعلم حقيقة إمكانية تسجيل صوت الجن من عدمه، فمن المؤكد أن الموضوع يحتاج إلى بحث علمي وميداني مختلف من نوعه، لإنه سيتوجب علي حينها حضور جلسات استحضار الجن أو إخراجه، وبرفقتي جهاز تسجيل صوتي (ربما موبايل أو مايك صغير سيكون وافي بالغرض)، حتى أتمكن من تجريب عملية تسجيل صوت الجن، ولا شك أنه سيكون بحث ليس باليسير لأنه سيتضمن عدة مخاطر على عدة مراحل (بداية من مرحلة التسجيل وحتى مرحلة التحليل الصوتي)، وحينها لابد أن نطرح سؤال هام، هل سيقبل الجن أن نسجل صوته بهدف تحليل بصمة صوته؟!  

      
عزيزي القارئ أتمنى من الله أن أكون قد وفقت في الإجابة على السؤال الذي تكرر خلال حفل توقيع كتابي، وذلك على قدر ما آتاني الله من علم، وما أوتيت من العلم إلا قليلا، ولابد أن يبقى البحث العلمي مستمر في ماهية بصمة الصوت وتحليلاتها المختلفة على عدة مستويات؛ وحتما، البحث العلمي حول بصمة صوت الجن وبصمة صوت الإنسان سيحتاج لتضافر العلوم، وقد يصل ذلك إلى نتائج تذهل العالم، أو قد يصل إلى اللا شيء، فعلوم الصوتيات واللسانيات هي علوم تجريبية في الأصل، أي تعتمد على الملاحظة والبحث والتجريب والتطبيق العملي، وبالطبع نوعية دراسة كهذه ستتطلب دخول لعالم الجن الذي يختلف تماما عن عالم بني البشر.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة