سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 يونيو 1981.. وفاة أحمد رامى الشاعر الذى اكتوى بحب أم كلثوم فكتب لها مائتى أغنية وعاش ست سنوات من العزلة والاكتئاب بعد رحيلها

الأربعاء، 05 يونيو 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 يونيو 1981.. وفاة أحمد رامى الشاعر الذى اكتوى بحب أم كلثوم فكتب لها مائتى أغنية وعاش ست سنوات من العزلة والاكتئاب بعد رحيلها الشاعر أحمد رامى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كانت وفاة الشاعر أحمد رامى فى 5 يونيو، مثل هذا اليوم، 1981، ختاما لسنوات اكتئاب وعزلة عاشها منذ رحيل سيدة الغناء العربى أم كلثوم فى 3 فبراير 1975، بحسب تأكيد الشاعر فاروق جويدة فى أحد لقاءاته التليفزيونية، وذكر هذه المعلومة نقلا عن الموسيقار رياض السنباطى له.

لم تكن أم كلثوم بالنسبة لـ«رامى» صوتا يغنى أشعاره فقط، وإنما كانت ملهمته منذ بداياته فى الشعر الغنائى، فحسب حوار أجراه معه الصحفى الفلسطينى عز الدين المناصرة ونشر بمجلة «الأفق الجديد، القدس، عام 1965»، يقول: «نشرت ثلاثة دواوين وترجمت رباعيات الخيام عن الفارسية، ولم أكن نظمت بيتا واحدا من الزجل، وإنما دفعنى إلى النظم باللغة الدارجة رغبتى فى النهضة بالأغانى الشائعة على يد سيدة الغناء أم كلثوم، على أنى أراوح فى نظم هذه الأغانى بين عربية فصيحة ودارجة».

يتذكر أول مرة استمع لـ«أم كلثوم»، قائلا فى حوار بمجلة الكواكب، 28 أبريل 1953: إنه عاد إلى القاهرة من باريس عام 1924، وسمع عنها من الشيخ أبوالعلا محمد، ودعاه للاستماع إليها فى حفلة أقيمت بكشك الموسيقى بحديقة الأزبكية، وغنت فى ذلك المساء قصيدة حفظتها من الشيخ أبوالعلا، ومطلعها: «الصب تفضحه عيونه/ وتنم عن وجد شؤونه/ أنا تكتمنا الهوى/ والداء أقتله دفينه/ يهتاجنا نوح الحمام/ وكم يحركنا أنينه».
يؤكد «رامى»: أخذت بذلك الصوت الملائكى، وذلك الإلقاء المرن الجذاب حتى إننى لم أتمالك نفسى من البكاء، وكانت رغم صغر سنها وقلة محصولها اللغوى تنطق بألفاظ القصيدة، وكأنها تشربت معانيها، وعندئذ فكرت فى أن أنظم أغانى خاصة بالشعر الدارج، تكون أنسب لسنها وجمال صوتها، وفى تلك الأثناء كانت أغانى الشعر العامى من النوع الخليع، فأوحى إلى صوت أم كلثوم أن أنظم أغنية تسمو بمعناها عن ذلك المجون، وكانت أول أغنية وضعتها لها «خايف يكون حبك لى شفقة على».

يؤكد «رامى» فى حواره لعزالدين المناصرة، أنه كتب نحو مائتى أغنية لأم كلثوم، فى حين يذكر «النقاش » فى كتاب «لغز أم كلثوم» أنه كتب نحو 137 أغنية من بين 283 أغنية لها، وإن كان «النقاش» يشير إلى عدم دقة هذه الإحصائية، ويرى أن أغانى «رامى» لها لا مثيل لها فى أدب العشاق الصادقين لا فى الأدب العربى وحده بل ربما فى الأدب العالمى.

وحول ما إذا كانت أغانيه لـ«أم كلثوم » وليدة حبه النادر لها، ولماذا لم يتزوجا، يقول «النقاش»: «لعلنا نحس بأن الاثنين معا كانا خاضعين لنوع من الأقدار لا يمكن لأحد أن يغيرها، فـ «رامى » كان بحاجة إلى حبه ليكتب قصائده الرائقة المشتعلة الصادرة عن قلب مخلص متصوف شديد النقاء، وأم كلثوم كانت بحاجة إلى قصائد «رامى» العاطفية لكى تغنى للناس ما يعبر عنهم جميعا، وليس ما يعبر عنها وحدها، ولذلك كان الزواج مستحيلا بين الاثنين، فهما يشبهان المطر والنهر، فلو توقف مطر رامى لما فاض نهر أم كلثوم ».

تميز «رامى» فى أشعاره بمسحة حزن، فسر أسبابها هو فى تحقيق «30 عاما على رحيل شاعر الذل العالى» بجريدة «الجريدة» الكويتية، 25 فبراير 2011، ويذكر تحقيق الجريدة أن «رامى» من مواليد أغسطس 1892 فى بيت عريق بحى الناصرية على مقربة من حى السيدة زينب، وكان أبوه طالبا بمدرسة الطب وشغوفا بالفن والأدب، وتجتمع فى بيته كوكبة من أهل الفن والأدب، وبعد تخرجه فى الطب، أصبح مطاردا باضطهاد رؤسائه الإنجليز فأنفق عمره مشردا بوظيفته، إذ عينه الخديو عباس الثانى طبيبا لجزيرة «طاشيوز»، التابعة لليونان وعاش فيها شعراء الإغريق العظام مثل هوميروس وهيرودوس، وكانت ملكا خاصا لعباس الثانى قبل أن تستردها اليونان بعد ذلك.

ذهب «رامى» إلى «طاشيوز» وعمره سبعة أعوام، وأمضى فيها سنتين لتتفتح مسام خياله على غابات اللوز والفاكهة والبحر واللعب بين مروج النرجس، حيث عاش شعراء اليونان الأقدمين، وخلال هذين العامين تعلم التركية واليونانية، ثم رجع لمصر وحيدا بعدما ترك أبويه فى «طاشيوز» ليلتحق بالمدرسة، وأقام عند بعض أقاربه فى بيت يقع فى أحضان مقابر الإمام الشافعى، فامتلأت نفسه بالحزن والهم والحرمان، ثم عاد الأب من «طاشيوز» وانتقلت الأسرة إلى بيتها القديم فى حى الناصرية، لكن سرعان ما أجبر الأب على الالتحاق بالجيش، وسافر إلى مدينة «واو» على بحر الغزال فى جنوب السودان.

انتقل أحمد رامى ليقيم عند زوج عمته معاون المدافن الخديوية، ويسكن فى حوش الباشا المطل على مسجد السلطان الحنفى، ليجد «رامى» نفسه ممزقا بين السلوى والحرمان، ويعترف بأثر هذه الأيام على حياته قائلا: «حرمان هذه الأيام البعيدة من صباى هو سر المسحة الحزينة فى كل معانى أشعارى».










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة