اعتصام المثقفين.. شرارة أحرقت الإرهاب وأضاءت طريق الوطن

الأحد، 30 يونيو 2024 02:11 م
اعتصام المثقفين.. شرارة أحرقت الإرهاب وأضاءت طريق الوطن اعتصام المثقفين
كتب عبد الرحمن حبيب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الفنانون والمبدعون يقودون "انتفاضة الضمير" فى وجوه المتطرفين وتجار الدين.. وأسابيع التحدى والأمل ترسم ملامح الطريق من مقر وزارة الثقافة إلى شوارع 30 يونيو

مثلما تكتسب الدولة تعريفها من عناصر ثلاثة: الإقليم والشعب ونظام الحكم؛ فإن لكل دولة/ مجتمع أو أمة، هويتها الخاصة وضميرها الحى الذى يُلخص أفكارها ويصون ثوابتها، ولطالما كانت الفنون والإبداع جوهرة المصريين وأثمن ممتلكاتهم، منذ أسس أجدادهم المعابد والصروح العظيمة، وإلى أن انتقلت تلك الذخيرة الحضارية فى الصدور جيلا بعد جيل، لتصنع سبيكة روحية وثقافية صافية وعالية القيمة، يتشكّل منها المعدن المصرى اليوم بلمسة الأمس وعراقته، تلك السبيكة كانت حائط الصدِّ فى سنة الإخوان السوداء، وبقدحها مع صخرة الواقع الصلبة وقتها، اندلعت انتفاضة الضمير، وتفجرت الشرارة التى أحرقت دعاة الإرهاب وأضاءت طريق الوطن.

على رؤوس الأشهاد احتج المثقفون على الطريقة التى أدارت بها جماعة الإخوان ملف الثقافة قبل ثورة 30 يونيو، فأقاموا احتجاجًا حاشدًا على القرارات التى اتخذها الوزير الإخوانى «علاء عبدالعزيز» الذى سعى لتغذية مفاصل وزارة الثقافة بأبناء الجماعة، وسعى فى طريق مواز إلى استبعاد الفنانين والكتاب أصحاب التاريخ العريض من أى منظومة ثقافية، فـأقصى الدكتور أحمد مجاهد من هيئة الكتاب والدكتورة إيناس عبدالدايم من الأوبرا.

وكما أن لكل شيء حكاية ولكل حكاية بداية، فقد ذهب الكاتب الكبير بهاء طاهر مع الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم، والشاعر الكبير سيد حجاب، والكاتبة الكبيرة فتحية العسال، إلى وزارة الثقافة فى الزمالك، وطلبوا لقاء الوزير الإخوانى لتقديم طلب له، وحينما قيل لهم بأنه غير موجود فى مكتبه، طلبوا انتظاره لحين عودته، ومع دخولهم مقر الوزارة وانتظارهم بداخلها، أعلن بهاء طاهر عن الاعتصام من داخل وزارة الثقافة، لينتقل على الفور اعتصام المثقفين من دار الأوبرا، إلى الوزارة فى الزمالك.

الغريب أن هذا الجمع من كبار المثقفين واجهه الوزير الإخوانى بتصريح غريب، حين قال «المعتصمون بالوزارة لا يمثلون مثقفى مصر»، مع أن الاعتصام ضم كبار المثقفين الذين مثلوا الهوية الثقافية المصرية فى العقود الأخيرة، فإضافة إلى من سبق وذكرنا اسمه تواجد أيضا، الأديب الراحل جمال الغيطانى، بجانب الفنان الكبير المخرج جلال الشرقاوى، والفنانة القديرة سهير المرشدى، والفنانة القديرة رجاء الجداوى.

ومع مرور الوقت، كانت أعداد المثقفين تتزايد أمام بوابة وزارة الثقافة، وحينما علم الوزير الإخوانى بما حدث، لم يعد إلى مكتبه حتى للقاء المثقفين بداخلها، بل أعلن عن احتلالها، ليرد عليه بهاء طاهر بأن اعتصام المثقفين لا يعبر عن أشخاص بعينهم أو جهة أو فصيل أو حزب، لكنه يعبر عن المثقفين كافة، الذين يرون أن مصر تعانى من سيطرة فاشية، تحاول صبغ الثقافة المصرية بصبغة يقال إنها إسلامية، فى حين أن الثقافة الإسلامية بعيدة كل البعد عنهم؛ لأنها غنية بمعالمهما وتفاصيلها، خاصة أن الشعب المصرى متدين بالفطرة، وأن المثقفين لم يمنعوا أحدا من دخول الثقافة بما فيهم الوزير الإخوانى نفسه.

وعلى مدار 45 يوما استمر اعتصام المثقفين داخل وخارج وزارة الثقافة، وبدلا من المطالبة بإقالة وزير الثقافة الإخوانى من منصبه، طالبوا بالإطاحة بحكم جماعة الإخوان الإهاربية، وحينها شهد الاعتصام انضمام العديد من المواطنين المصريين الخائفين على هوية وطنهم، والرافضين لحكم الإخوان، وظل الاعتصام مستمرا حتى 30 يونيو 2013، ولم يصبح الاعتصام لإقالة وزير ثقافة الإخوان بل تحول لثورة ضد حكم الإخوان فى مصر، استطاع المثقفون خلالها إنارة طريق الحق أمام الشعب المصرى لوقفتهم لأول مرة يدا واحدة لمحاربة التطرف والإرهاب.

هكذا لم يكن اعتصام المثقفين استعراضًا فارغا من المضمون أو الأثر، ولا عملا نخبويا معزولا عن حاضنته الشعبية. لقد كان أقرب إلى نبوءة «زرقاء اليمامة» فى استشراف ما لم يره قومها مبكرا، وجرس الإنذار الذى دق فوق رؤوس الناس فأيقظ النائم منهم وشجّع الخائف، فانتفض الجميع معًا معتصمين بهويتهم الصافية، ومدافعين عن حاضرهم ومستقبلهم، ومتصدين لمشروع ظلامى استهدفهم فى صميم وعيهم وثابتهم الوطنى والحضارى. كان الإخوان خطرا وجوديًّا لم يُفصح عن نفسه أول الأمر؛ إنما بأثر الطمع تحقق انكشافه سريعا، وبالمثل كان اعتصام المبدعين فى مقر وزارة الثقافة مقدمة لسياق مدنى لا يقبل الرجعية والتطرف، ولا يُسلِّم لخصوم الهوية المصرية وكارهيها، وكان له الفضل مع غيره من الفعاليات الشعبية والرسمية فى إفشال أحد أسوأ المخططات الكريهة التى هددت البلد، وفى وضع النهاية الملائمة لتنظيم إجرامى كان منذ نشأته خصيما المصريين، وعونا لخصومهم، ولم يُضبط متلبسًا قطّ بالوطنية ولا نزاهة القول والفعل.

اعتصام-بوزارة-الثقافة-تصوير-حسام-عاطف-8-6-2013-(13)
 
 
اعتصام-بوزارة-الثقافة-تصوير-حسام-عاطف-8-6-2013-(20)
 
 
وقفة-المثقفين-امام-وزارة-الثقافة-تصوير-ماهر-اسكندر-6-6-2013-(29)
 
p.12
 









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة