سعيد الشحات يكتب: ذات يوم .. 21 يونيو 1929 مولد عبدالحليم حافظ وإرضاعه من 300 امرأة بقرية الحلوات فى عامين لوفاة أمه بعد ولادته بأسبوع

الجمعة، 21 يونيو 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم .. 21 يونيو 1929 مولد عبدالحليم حافظ وإرضاعه من 300 امرأة بقرية الحلوات فى عامين لوفاة أمه بعد ولادته بأسبوع عبد الحليم حافظ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

واصل المولود عبدالحليم على شبانة صراخه، وأمه مسجاه على فراش الموت، فحمله شقيقه إسماعيل بين ذراعيه وراح يهدهده، ودموعه تغسل وجهه، حسبما يذكر إسماعيل شبانة فى مقال له عن بعض المواقف التى حدثت لشقيقه، الذى حمل فيما بعد اسما فنيا هو عبدالحليم حافظ، ونشرته «الكواكب »، وعرضته جريدة الدستور فى عددها يوم 23 يونيو 2022.

توفيت الأم بعد أسبوع من ولادتها عبدالحليم فى 21 يونيو، مثل هذا اليوم، 1929، بقرية الحلوات بمحافظة الشرقية لأسرة فقيرة «فقيرة واقعا لا مجازا » بوصف الكاتب الصحفى مفيد فوزى فى مقال «أفقر الأغنياء » بمجلة صباح الخير، عدد 1111، يوم 12 إبريل 1977.

يضيف «فوزى»: «الأب، الحاج على شبانة، فلاح بسيط يزرع القطن ويحصده ويبيعه، وفى إحدى الصفقات خرج من الحلبة بضربة من ضربات القطن الشهيرة، ترك الأرض واشتغل فى تجارة الأحذية وكان يطوف المدن والقرى، وربح قليلا، لكنه استطاع بهذا القليل أن يربى أولاه، كان الحاج على شبانة يتمتع بصوت حلو، كان يؤذن للصلاة فى مسجد الحلوات المتواضع، أولاده خمسة، إسماعيل ومحمد وعلى وعبدالحليم وعلية، ومات على وهو فى الخامسة من عمره بالربو، مثلما مات الأب بنفس المرض اللعين، لقد عرفت الأسرة الحزن بشكل مبكر، ماتت الأم، زينب عماشة، بحمى النفاس بعد أن ولدت عبدالحليم، ومات الحاج على شبانة، فتكفل بأولاده خالهم، متولى عماشة، وكان موظفا فى الزقازيق يتقاضى 6 جنيهات شهريا، وكان له ابن واحد انضم لأولاد عمته، وعاش الجميع تحت سقف واحد ».

صدمة موت الأم كادت أن تودى بحياة عبدالحليم، ويتذكر أخوه إسماعيل: كنت واقفا قرب بعض النسوة من أقاربنا ممن جئن للعزاء، وسمعت إحداهن تقول: «يقعد يعمل إيه بعد المرحومة، لازم نلاقى له حل»، فأجابتها سيدة أخرى: «ده إحنا نرحمه من الجوع واليتم »، وقالت الثالثة: «نرضعه منها يموت، زيه زيها »، هرع شبانة إلى والده المكلوم ليخبره بما قالته النسوة: «ستات مين؟ هما فين »، وخرج الأب غاضبا وتقدم للنسوة بعدما أشار إليهن إسماعيل: «عبدالحليم ابنى وأنا هربيه على إيدى، أمه ماتت قضاء الله وقدره، ده أجل ومكتوب، ولو حاولت واحدة منكن أن تمسه سأبلغ النيابة ».

يتذكر عبدالحليم فى الحلقة الأولى من مذكراته «حياتى» بمجلة صباح الخير، عدد 920، 23 أغسطس 1973، أنه حين سافر إلى أوكسفورد ليخضع لعملية حقن الشعيرات بعد أن داهمه النزيف فى إبريل 1972، وبينما تضغط عليه آلامه وأحزانه، سافر بخياله إلى الطفولة، قائلا: «فى الحلوات، كلما سرت فى حارة، تقول لى واحدة أنا أمك، تعالى هنا يا ولد، أعرف أن أمى ماتت، من تمت أمه فى الحلوات لا يرضعونه ثلاثة أيام، حملنى أخى إسماعيل شبانة إلى العمة زينب، عمتى زينب، يسألها إسماعيل عن أى امرأة تكون قد ولدت هذا الأسبوع، تقول له زينب عنوان أى امرأة وضعت حديثا، يخشى إسماعيل وهو يحملنى على صحنى، يدق باب من وضعت، تحملنى المرأة لترضعنى، يؤكد إسماعيل دائما أننى يجب أن أدقق جيدا فى اختيار شريكة حياتى، حتى لا تكون أختا لى فى الرضاعة، فقد أرضعتنى خلال السنين الأولتيين من عمرى أكثر من ثلاثمائة سيدة، وعشت فى هذه الفترة أيضا على لبن الماعز».

حفرت هذه المرحلة بأحزانها مجرى عميقا فى حياة عبدالحليم، ولما كبر واستطاع أن يدرك معنى الموت والحياة، أدركه حزن هائل، حزن شاع فى نبرات صوته من موت والديه دون أن يتذكر شكلهما، يذكر لكمال الملاخ فى حواره بالأهرام، 10 إبريل 1966: «والدتى ماتت فى ولادتى، ووالدى مكملش بعدها شهور، مفتكرش شكله، معنديش صور ليهم، ومفيش أى أثر أعمل منه صور دلوقتى وأنا قادر ».

إصابته بمرض البلهارسيا كانت علامة أخرى على بؤس الطفولة، فالمرض الذى أتلف كبده أصابه بأول نزيف فى عام 1953، وعمره 24 عاما فقط، يذكر مفيد فوزى: «يمضى زورق الحياة بالأسرة الصغيرة، الأولاد الثلاثة إسماعيل ومحمد وعبدالحليم يذهبون فرادى إلى ترعة المسلمية، الترعة الوحيدة التى تشق الحلوات ويلقون بأنفسهم فيها بغية الاستحمام مثل سائر أفراد القرية، ويصاب الثلاثة بالبلهارسيا ويعالجون منها بحقن الفؤادين، حقن ألمانية الجنسية سميت باسم الملك فؤاد وقتئذ، وشفى إسماعيل ومحمد من البلهارسيا تماما، لكنها اختبأت فى جسد حليم، وافصحت عن نفسها فيما بعد ورافقته مشوار الشهرة والألم».

يضيف «فوزى»: «نزحت الأسرة إلى القاهرة، كانت مترابطة وهى ترقب نمو فتاها الأسمر، كان إسماعيل شبانة ينصح شقيقه الأصغر عازف الأبوا أن يدرس الموشحات والأدوار ليصبح مغنيا، ولكن عبدالحليم قال له «بكره يا أبوالسباع تشوف أخوك عقلة الصباع هيعمل إيه»، وسار حليم فى درب الغناء وأخذ نجمه يصعد.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة