مها عبد القادر

التفاؤل والأمل وبلوغ الغاية

الخميس، 20 يونيو 2024 04:22 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في خضم تحدياتٍ نمر بها وأزماتٍ نعيش تباعاتها وصراعاتٍ نتجرع أثارها، بات التفاؤل والأمل سبيلًا للخروج من حالةٍ قد تغرس في النفس سلبياتٍ وإحباطاتٍ متتاليةٍ؛ فيصبح سلوكنا على غير المعتاد والمأمول والمرام، وتصير مجريات الحياة ضاغطةً أكثر مما نتوقع، ونستشعر أن ما خططنا له وما نأمله بعيد المنال في ظل هذا الزخم والتخبط والترهل في أمور وشئون الحياة وأحداثها المتتابعة.

ومن ثم أضحى التفاؤل سفينة النجاة التي تضمن بقاء الهمة والعزيمة حيال ما نؤديه من أعمالٍ وما ندشن له من مسارات الأمل بخططٍ مستقبليةٍ نرسم بها سياج الأحلام ونرى من خلالها أفكارًا متجددةً وأخرى تلوح في الأفق تسهم في تغيير الواقع للأفضل، وتفرض حالةً من استقرار الذهن وصفاء النفس؛ لنستطيع أن نكمل مسيرة التقدم والنهضة التي ننشدها.

ولا نبالغ إذا ما قلنا إن التفاؤل يسهم في تقدم دول وتغير حالتها الراكدة إلى حالةٍ من النشاط المعقود بالإيجابية والعمل فيما يتوافر لديها من موارد وثروة مادية وبشرية؛ حيث إن الإرادة تقوم على هذه القيمة التي تسمو بالنفس وتحث الوجدان على أن يحفز السلوك في الاتجاه المرغوب فيه؛ فنرصد نتاجًا مثمرًا يساعد في الشعور بالارتياح ويحث على مزيدٍ من الجهد والعطاء والعمل الجاد.

ووشائج الاتصال بين التفاؤل وبلوغ الغاية والأهداف قويةٌ، بل لا تنفصل عن بعضها البعض؛ فنرى أنه يصعب أن نحقق ما نطمح ونصبوا إليه في وجود حالةٍ من الإحباط والشعور بعدم الجدوى، والسلبية، والاكتئاب، والفتور؛ حيث إن غياب الدافع وفتور العزيمة وضعف الهمة لا يساعد في الخروج بنتائجٍ نأملها أو نرجوها، ولكن في وجود مناخٍ داعمٍ نرصده في جنبات التفاؤل والأمل أصبح النجاح وبلوغ الغاية وتحقيق الأهداف سهل المنال.

ودعونا نؤكد أن التفاؤل في غياب مقومات ما ننشده يجعلنا نعيش حالةً من التيه؛ فينبغي ألا يكون هناك فجوةٌ بين ما نتطلع إليه وما يلزم من أجل تحقيقه؛ فالأمر قائمٌ في مجمله على معطياتٍ وإمكانياتٍ متاحةٍ تساعدنا في القيام بإجراءاتٍ تنفيذيةٍ يسبقها بالطبع تخطيطٌ جيدٌ مدروسٌ يقوم على الفكر الاستراتيجي المشفوع بأملٍ وطموحٍ؛ لنضمن أن تتم العمليات وتحقيق الأهداف في إطارها الطبيعي.

وإذا ما أسقطنا حديثنا على حالة الفرد ومقدرته على العطاء بصورةٍ مستدامةٍ؛ فإننا ندرك بأن طاقته الحيوية تستمد من مسارٍ يقوم على نظرته التفاؤلية ومقدرته الحقيقية التي يترجمها أداؤه الملاحظ في الميدان، ومن ثم فإن معدل ارتفاعها وانخفاضها يقوم على مقوماتٍ التفاؤل لديه؛ لذا يتوجب علينا أن نقدم له كل ما يعضد صورة تلكما القيمة النبيلة لديه؛ ليصبح فاعلًا نشطًا يسعى دوما إلى تحقيق أهدافه وغاياته وغايات وطنه الآنية منها والمستقبلية.

والإنسان منا في أشد الاحتياج لما يسميه المتخصصون دافعية الوجدان، ونطلق عليه نحن التفاؤل؛ لأنه مسببٌ رئيسٌ في تنمية الرغبة لبذل مزيدٍ من الجهد؛ إذا تستطيع أن تؤدي كافة أعضاء الجسم مهامها بكفاءةٍ عاليةٍ؛ فيشعر الفرد بأنه في احتياجٍ لأن يمارس أعمالًا مفيدةً، وتتوالد لديه رغبة المواصلة كي يحقق ما خطط له، ويتجدد لديه الأمر بصفةٍ مستمرةٍ يومًا بعد يومٍ بعيدًا عن الروتين، وهذا مرتبط بالجانبين النفسي والبدني على السواء.

وثمت أمرٌ غايةٌ في الأهمية ينبغي الإشارة إليه بشأن قيمة التفاؤل في حياة بني البشر؛ حيث تبدو أطر التواصل مرتبطة بشكلٍ وثيقٍ بتوافرها؛ فلا تتوافر رغبة التآلف والتعارف والتشارك والتعاون إلا في وجودها، ولا تنمو المحبة والوداد إلا بتوافرها؛ لذا فحالة السعادة باتت مرهونةً بشيوع التفاؤل بين المجتمعات على مستواها المصغر أو كيانها الكبير.

والواقع المشاهد يؤكد أن الشخص المتفائل يحظى باجتماعياتٍ غير مسبوقةٍ، ويمكنه أن يزين بمزيدٍ من أطروحات الأمل في التعامل مع الآخرين بما يشعرهم بالارتياح ويدخل في نفوسهم البهجة، ومن ثم يسعد الفرد والآخرين بحاضرٍ يعيشونه ومستقبلٍ مشرقٍ يتطلعون إليه، ناهيك عن ماضٍ لا يندمون فواته، بل يأخذون منه الدرس والعبرة.

ولابد أن نؤمن بأن خلف كل نهايةٍ بدايةٌ مختلفةٌ، وخلف كل ليلٍ فجرٌ جميلٌ، وشروقٌ رائعٌ، ووراء كل شيءٍ خيرٌ ولطفٌ خفي، ولكل شيءٍ توقيته المناسب، ولندرك أن كل ما يحدث لحكمةٍ ولنتذكّر أنه بجوار العمل الجاد ومسيرة الحياة الصاخبة، سنحتاج أن نخالط من يذكّرنا بأهدافنا دائمًا ويدعمنا، لتحقيق أحلامنا، ولنتذكر أن اللجوء إلى الله هو الأمان في فوضى هذه الحياة والملجأ لهدوء النفس وسمو الروح.


 










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة