سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 11يونيو 1882.. مذبحة فى الإسكندرية بسبب خلاف بين مالطى وعربجى على أجرة ركوب حمار.. وأحمد عرابى يتهم الخديو والإنجليز بتدبيرها

الثلاثاء، 11 يونيو 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 11يونيو 1882.. مذبحة فى الإسكندرية بسبب خلاف بين مالطى وعربجى على أجرة ركوب حمار.. وأحمد عرابى يتهم الخديو والإنجليز بتدبيرها أحمد عرابى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كانت المقاهى مزدحمة بالإسكندرية طلبا للراحة واللهو، فحدثت مشاجرة على قرب من قهوة القزاز فى آخر شارع البنات نحو الساعة الواحدة بعد ظهر 11 يونيو- مثل هذا اليوم - 1882، حسبما يذكر الشيخ محمد عبده فى مذكراته «مذكرات الإمام»، مشيرا إلى أنه كان يوجد ازدحام كثير من الكراسى والتربيزات، وأشخاص منهم القائم والقاعد، وحدث أنه سكر مالطى - يقال إنه خادم مستر كوكسن قنصل إنجلترا بالإسكندرية - وأخد عربة «فى رواية أنه ركب حمارا لرجل يدعى السيد العجاف»، وطاف من محل إلى محل يشرب ويتنزه إلى أن وصل إلى خمارة أحد مواطنيه، فطلب منه العربجى أجره فأعطاه المالطى قرشا واحدا، ودخل الخمارة، فتبعه العربجى وتبادلت الكلمات بينهما.

يضيف الإمام محمد عبده: تناول المالطى سكينا كانت معلقة فى مائدة الدكان، معدة لقطع الجبن، وطعن بها العربجى فسقط لا حراك به، فاجتمع بعض الوطنيين وحمار من أقارب العربجى، وأرادوا القبض على القاتل، فجاء يونانى خباز مجاور للخمارة ومعه بعض مواطنيه بالسكاكين والطبنجات، وأخذوا يضربون شمالا ويمينا، ومضى نصف الساعة قبل أن تصل عساكر البوليس من قراقول اللبان «قسم شرطة اللبان»، وقتل أول من جاء من العساكر مع المعاون، فجاء آخرون وصارت معركة عمومية، ولكن لم يتدخل العساكر فى القبض على الجناة، فتمكنوا من الفرار «الأورام والمالطية».

وقعت هذه الفتنة أثناء أحداث الثورة العرابية، ويذكر سليم خليل النقاش وقائعها بتفاصيل أكثر فى الجزء الخامس من كتابه «مصر للمصريين»، من واقع ما رآه فيها، مؤكدا أنه لما انقلب الأمر إلى المناصرات، انتصر إلى المالطى رجال من أبناء جلدته «فكثرت على أثر ذلك الغوغاء، وعلت الضوضاء، فسلت الخناجر، وأطلق الرصاص، وكأن ذلك إشارة لابتداء الفتنة، فهجم رعاع القوم على المارة وأصحاب الدكاكين، وأخذوا يسطون على كل أجنبى وجدوه فى طريقهم كائنا ما كان، ويوسعونه ضربا بالعصى والهراوات، ثم انتشروا فى الشوارع وانبثوا فى أحياء الأوربيين منادين بالجهاد وبقتل الكفار، ونهب منازلهم ومخازنهم، ومروا بالشارع المعروف بشارع السبع بنات، وشارع المحمودية وغيرهما من شوارع المدينة، وكان أكثر الأجانب متفرقين فى جهات الرملة قصد التنزه واستنشاق النسيم اللطيف هربا من حر المدينة، فكانت بيوتهم لذلك خالية ومخازنهم مقفلة، ولم يكن فى المدينة منهم إلا قوم قليلون لا يقدرون على الدفاع، ورد هجمات الثائرين ففتكوا بمن وجدوهم فتكا ذريعا، وانصبوا عليهم من كل جهة وصوب يضربونهم بالعصى والنبابيت حتى قتلوا منهم حوالى 300 نفس».

يذكر «النقاش» أنه كان فى منزله بوكالة راتب باشا وراء المنشية، ولزم البقاء فيه مع عائلته وقت حدوث الفتنة، ويذكر أنه: «أشرف من البلكون على الشارع الكبير فرأى جماعات من أهل الفتنة يتقدمون فى الطريق ضاربين كل من رأوا قبعة على رأسه، ورأى كثيرين من الإفرنج يركضون وأولئك من ورائهم يضربونهم بالهراوات  «إذا لم يكن بأيديهم سلاح غيرها» ضربا أليما حتى يطرحوهم على الأرض مخضبين بدمائهم، فينتزعون عنهم ثيابهم ويأخذون ما يجدون معهم من حلى ونقود، ثم يتركونهم ويسيرون، فإذا مروا بمخزن من مخازن الإفرنج كسروا بابه، ونهبوا منه ما تيسر لهم حمله ونقله، وغادروا فيه ما بقى منثورا فى الأرض عرضة للكسر والبعثرة، وتحرر بعض الأجانب فى بيوتهم ودافعوا عن أنفسهم فردوا هجمات المسلمين بالرصاص، وقتلوا منهم عددا يكاد أن يوازى عدد من قتل من النصارى، وكان قد نزل إلى البحر جماعة من الأوروبيين للتفرج على السفن الحربية الراسية فى الميناء فلقيهم الوطنيون عند عودتهم، وأوسعوهم ضربا ثم ساقوهم أمامهم لسوق الأنعام».


يضيف «النقاش»: «من حوادث ذلك اليوم الغريبة أن أمراء الأساطيل الأجنبية الراسية فى المرفأ لم يحركوا ساكنا، ولم يبد منهم مساعدة للأوروبيين ودعما للوطنيين وكبحا لجماح فظائعهم، ومن أغرب تلك الحوادث تمارض السيد قنديل، مأمور ضبطية الإسكندرية، وعدم خروجه من بيته كأن لم يكن شىء فى المدينة».

يؤكد الإمام محمد عبده: «ظهر فى اليوم الثانى، 12 يونيو، أن عدد القتلى الوطنيين 163 غير من أخفاهم المتشاجرون، إذ حملوهم سرا من وسط المعركة، ومجموع ما وجد من جثث الأوروبيين وغيرهم بلغ 75 قتيلا، كثير منهم مصاب برصاصة فى قمة رأسه، فبلغ مجموع القتلى 238».

كان أحمد عرابى وزيرا للحربية، وتلقى تلغرافا بالحادث قبل الساعة الخامسة مساء نفس اليوم، ويؤكد فى مذكراته، أن هذه الحادثة وقعت بتدبير الإنجليز وبتواطؤ بين الخديو والمحافظ عمر لطفى باشا لإحداث أمر يوجب التدخل الأجنبى، ويتبنى هذا الرأى أيضا الإمام محمد عبده، قائلا: «لا ريب فى أن استقراء سير هذه الحوادث يظهر أتم الظهور أن الخديو بالاشتراك مع عمر لطفى كانا سبب الفتنة».










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة