سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 2 مايو 1933.. بيرم التونسى يكشف أسرار علاقته بالشيخ سيد درويش من اتهامه بالسرقة إلى الاعتراف بعبقريته

الثلاثاء، 02 مايو 2023 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 2 مايو 1933.. بيرم التونسى يكشف أسرار علاقته بالشيخ سيد درويش من اتهامه بالسرقة إلى الاعتراف بعبقريته بيرم التونسى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
طاف الشاعر بيرم التونسى على تجار الفونوغراف بشوارع تونس، يسألهم عن أعمال الشيخ سيد درويش، فلم يجدها، وتعجب من عدم رواجها، ففهم أن الشيخ الدرويش عند الجماهير مغن كبقية المغنيين، وأدواره كسائر الأدوار يتلهى بها الناس برهة من الزمن ثم ينسوها إذا ظهر غيرها من الأغانى والألحان.
 
 حين فوجئ بيرم بهذه الحالة قرر أن يعيد تقديم سيد درويش للتونسيين، وهو الذى ربطته به علاقة عمل وصداقة، فكتب مقالا طويلا عنه بعنوان «سيد درويش» نشره بمجلة «الزمان» الأسبوعية، 2 مايو، مثل هذا اليوم، 1933، ونشر نصه الدكتور محمد صالح الجابرى فى الجزء الثانى من مجلده «محمود بيرم التونسى فى المنفى آثاره وأعماله».
 
كان بيرم وقتئذ فى تونس يواصل سنوات تشرده بنفيه عن مصر بقرار من الملك فؤاد فى 25 أغسطس 1920، وعاش سنوات منفاه فى فرنسا، يتخللها فترات فى تونس، حتى عاد إلى مصر متسللا بعد نحو 18 عاما، ويذكر «الجابرى» أنه فى تونس أشرف وأصدر وساهم فى تحرير أكثر من صحيفة ومجلة، وهى على التوالى صحف «الزمان» و«السرور» و«الشباب» و«السردوك» و«القلم الحر» و«مجلة الجامعة».
 
يذكر بيرم فى مذكراته «المذكرات» عن «أخبار اليوم- قطاع الثقافة- 2015»: «تركت فرنسا إلى تونس، حيث استطعت إنشاء جريدة أسبوعية اسمها «الزمان»، وجدت رواجا عظيما فى شمال أفريقيا، وصارت ملتقى أقلام الأحرار بها لا سيما أحرار الجزائر، الذين كانوا يقاومون سياسة التجنيس الفرنسية التى كانت تتبعها فرنسا حينئذ فى الجزائر».
 
يقدم بيرم فى مقاله «سيد درويش» وجبة معرفية ثرية عن هذا الفنان الاستثنائى، الذى كون معه ثنائى نادر المثال فى تاريخ الفن العربى، ويبدأ مقاله بقوله: «ولدت أنا وهو فى عام واحد وهو عام 1893، وفى مدينة واحدة هى الإسكندرية، وفى حى واحد من هذه المدينة هو حى «المزار»، ولم يعرف كلانا الآخر إلا سنة 1921 فى مدينة القاهرة، إذ كان الشيخ سيد منهمكا فى تأسيس جوقته الخاصة بعد أن نفض يديه من التلحين للأجواق الأخرى، وهو فى حاجة شديدة إلى «زجال» يقدم له أزجال رواية الافتتاح، فى تلك الأيام كان جوقة الريحانى «كشكش بك» فى عنفوان شبابها، وكانت تستمد قوتها من ألحان الشيخ سيد، إلا أن نوع التمثيل الذى كانت تقوم به هذه الفرقة كان وبالا على الأخلاق، بما يحويه من دعارة وفجور، وكانت عشرات الألوف من الجنيهات تتدفق إلى جيب الريحانى نظير عمل يهرج لا يكلفه مجهودا يذكر، فضلا عما يبثه فى الشبيبة من روح النزق والتهتك».
 
يضيف بيرم: «كنت إذ ذاك أحرر جريدة «الشباب» الأسبوعية، وجعلت نصب عينى محاربة هذا الجوق وأمثاله بالحق والباطل، وكان الشيخ سيد يقرأ تلك الصحيفة، فيرى أن الحملة موجهة إليه قبل غيره، ويقرأ أنه متهم بسرقة الألحان التى يقدمها لجوق الريحانى، وكيف سرقها».
 
وفيما كان بيرم يواصل هجومه، حدثت المفاجأة، ويكشفها قائلا:  «كانت الحملة مستمرة على الشيخ سيد شهورا طويلة، ولكن تأبى الظروف إلى أن تجمعنى به فى ليلة، جلس كلانا بجانب الآخر وهو لا يعرفه، ولاحظ أحد الجالسين وجودنا، فقام ووضع يديه على كتفينا وبحسن نية قدمنا لبعض، وما كنت أنتظر بعد هذا الشر العظيم والعواصف التى أثرتها عليه فى الجريدة، أن يقوم لى مبتسما فرحا كأنما انفتح أمامه كنز، ولم يكن فرحه متكلفا، ولا بشاشته جبنا، فقد كان يتمتع بكل ضروب القوى، قوة بدنية هائلة، وقوة فنية لم يرزق غيره مثلها، وقوة مالية قلما تنفق لموسيقى فى الشرق، وقوة عصبية يستمدها من مئات الألوف من الأنصار المعجبين والأحباب المخلصين، ولكن الناظر للسيد درويش يدرك على الفور أن هذه القوى لا تساوى عنده جناح بعوضة، فقد كان يترك بدنه لجميع أنواع المهلكات، أو ينفق ما فى جيبه عن آخر درهم، ولا يهتم بمعرفة غنى أو وجيه».
 
يعترف بيرم: «فى تلك الليلة لم أفارقه إلا فى ظهر اليوم الثانى لنتقابل بعد ساعتين من هذا الفراق، ولله طبائع الإسكندريين وشمائلهم وأخلاقهم، فيهم الشراسة مع الاعتراف بالحق، وفيهم القوة والبطش مع التواضع والإغضاء، لقد كان معظم حديث السيد عما لاقه من المحن والبؤس، قال لى من أول الحديث ولم يمض على تعارفنا ساعات: هل مكثت فى حياتك ثلاثة أيام على الأرض بلا طعام ولا شراب «وضحك ضحكة رزينة» وقال: والله فعلتها، وهل تعلم أننى كنت أغنى فى قهوة حقيرة على شاطئ وترعة المحمودية حتى يستمع لى بحارة المراكب القادمة من الصعيد، ورشيد، ودمياط، السهرة والقهوة والسماع كل هذا بعشرين فضة «خمسة وعشرين سنتيما».     
 
جاء الحديث عن اتهام بيرم للسيد بالسرقة، فرد سيد عليه قائلا:  «إليك هذا البيان»، فماذا قال فيه؟..غدا نواصل.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة