سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 مارس 1955.. الضابط على خشبة يدخل «عُمان» سرا بتكليف من عبدالناصر ويلتقى «الإمام غالب» ويعود عبر الصحراء مربوطا على جمل

الأحد، 05 مارس 2023 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 5 مارس 1955.. الضابط على خشبة يدخل «عُمان» سرا بتكليف من عبدالناصر ويلتقى «الإمام غالب» ويعود عبر الصحراء مربوطا على جمل جمال عبد الناصر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سأل البكباشى «على خشبة» الملحق العسكرى المصرى فى «جدة» أصدقاءه السعوديين ذوى الخبرة عن كيفية السفر إلى «عمان»، فأجابوه، ولم يكن سؤاله بغرض قيامه برحلة عادية يقطعها من جدة إلى هذا البلد، وإنما لتنفيذ مهمة سرية خاصة كلفه بها الرئيس جمال عبدالناصر، فى خطاب أرسله إليه فى فبراير 1955، وقال فيه: «اتصل بنا طالب بن على، أخو الإمام فى بلاد عُمان، وشرح لنا طرفا من قضية تعدى الإنجليز على بلاده، عليك أن تتوجه إلى عٌمان ولا تسألنا عن الوسيلة، قابل الإمام وابحث القضية وابعث لنا بالتفاصيل».
 
كان هذا الخطاب مفتتحا لقصة معقدة شهدت فصولها كل عناصر الإثارة والدراما، ويكشف تفاصيلها «فتحى الديب» مسؤول الشؤون العربية برئاسة الجمهورية، وصاحب المهام السرية فى حركات التحرر العربية، ويذكر فى كتابه «عبدالناصر وتحرير المشرق العربى» أنه فى نوفمبر 1954 وصل إلى القاهرة شخص قدم نفسه باسم «طالب بن على» شقيق الإمام غالب بن على حاكم إمارة عمان، مبديا رغبته فى لقاء جمال عبدالناصر، ليبلغه رسالة شخصية من شقيقه الإمام غالب.
 
يوضح «الديب» انطباعه الأول عن شخصية «طالب بن على»، قائلا: «شخصية عربية فريدة تتسم بكل ما تحمله معانى البداوة من صفات أكدها الرداء البدوى الذى يرتديه والخف الذى انتعله والصرامة الجافة على وجهه، والصوت الأجش الذى صدر عنه، والبعد الواضح عن الإلمام بأى صورة من صور المدنية فى التعامل»، ويؤكد «الديب» أنه بذل جهدا مضنيا استمر ثلاث ساعات لإقناعه بالكشف عما يريد إبلاغه للرئيس عبدالناصر.
 
كشف «طالب»، أنه جاء لمصر بعد أن تدارس هو والإمام غالب ومعاونوه من مشايخ القبائل العمانية، وما سمعوه عن وقوف جمال عبدالناصر وثورة 23 يوليو إلى جانب الشعوب العربية المناضلة من أجل حريتها، وأنهم فى عمان يواجهون غزو السلطان سعيد بن تيمور سلطان مسقط والإنجليز لأرض عمان «لم تكن الدولة موحدة وقتها»، ويطلبون من مصر إمدادهم بألف وخمسمائة إبرة ضرب نار جديدة لاستخدامها فى البنادق المعطلة حاليا لمواجهة الغزو، وقدم «طالب» نموذجا من الإبر ة المطلوبة، ثم انصرف على وعد من «الديب» بدراسة الأمر، ويؤكد «الديب» أنه بينما كانت لقاءاته تتواصل مع «طالب» كان يستعين بوزارة الخارجية والجامعة العربية لمعرفة الأوضاع فى عمان ومسقط، ثم رفع تقريرا متكاملا إلى عبدالناصر الذى قرر معاينة الأمر سرا على أرض عمان، واختار «خشبة» لهذه المهمة، وبعث إليه بخطابه.
 
يكشف «خشبة» فى شهادة مكتوبة وخاصة للديب، الذى نشرها فى كتابه، أنه بعد تسلمه لخطاب عبدالناصر، وأسئلته عن كيفية السفر، زوده الشيخ إبراهيم السليمان مدير مكتب الأمير فيصل بن عبدالعزيز ولى العهد السعودى، بمفتاح الرحلة الأول، وهو أحد رجال المملكة فى «دبى»، وهمزة الوصل بين المملكة وإمام عمان، وبعد ذلك بدأ رحلته من قطر إلى الشارقة صباح 5 مارس، مثل هذا اليوم، 1955، وفى الشارقة سجل اسمه بالفندق ثم ترك حقيبته وغير ملابسه بأخرى عمانية حتى لا يلفت الأنظار، وفى عربة من الفندق توجه إلى دبى، وبحث عن الرجل الذى أخبره به الشيخ «السليمان» حتى وجده فى محل تجارته، وسلمه توصية فى خطاب من «السليمان»، لكن الرجل رد باستحالة الرحلة لأن القوات البريطانية طوقت المنطقة كلها وتبحث عن الثوار والأسلحة.
 
أصر «خشبة» على تنفيذ الرحلة، فخبأه الرجل فوق سطح بيته خارج دبى سبعة أيام، حتى رتب رحلة بحرية لمركب يحمل أخشابا إلى عمان، وركبها «خشبة» متخفيا فى زى عمانى، ودار المركب حول مضيق هرمز ليصل إلى شاطئ عمان بعد60 ساعة، ومن الشاطئ تسلل «خشبة»، ومعه دليلين عبر طريق جبلى سار فيه ثلاثة أيام حتى دخل إلى «نزوى» عاصمة عمان، ليلتقى وجها لوجه مع الإمام غالب.
 
يذكر «الديب» أن «على خشبة» كان أول مصرى يدخل عمان منذ أكثر من مائة عام، واستبشر المسؤولون العمانيون بقدومه خيرا، خاصة أن الأمطار هطلت بعد انقطاع دام عشرين عاما، وبدأت الاجتماعات وحدد العمانيون فيها مطالبهم، وبعد انتهاء المهمة قرر «الإمام» أن تكون العودة عن طريق واحة البريمى بواسطة رحلة لقافلة إبل، يقودها «دليل عمانى»، وتستغرق 15 يوما سيرا.
 
يكشف «خشبة» الأهوال التى هددت حياته فى رحلة العودة، كإصابته بالملاريا التى اشتدت عليه فربطه الدليل العمانى على الجمل الذى يركبه ليحميه من السقوط، حتى وصل إلى بلدة البريمى، ولما علم حاكمها السعودى نقله إلى المستشفى للعلاج، ثم انتقل إلى الظهران وفشل حاكمها الأمير سعود بن جلوى فى محاولة التعرف على أسباب وجوده فى البريمى وزيارته إلى عمان، وأخيرا التقى الملك سعود به بناء على رغبته، وبتوجيه من عبدالناصر، أعطى خشبة للملك صورة عامة لطمأنته.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة