سما سعيد

رسالة الإمام .. سيرة مضيئة لقاضى الشريعة

الأحد، 26 مارس 2023 11:28 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لاعتبار الشافعى من آل البيت، فكثيراً ما كنت أذهب برفقة عائلتى للمقام بحكم سكننا فى منطقة مصر القديمة التى تعج بالحكايات مع كل خطوة تخطوها هناك، كان وقتها مسجدا عتيقا تم بناؤه بحجارة كتلك التي شيدت بها منازل عدة تجاوره، ورغم اختلاف العصور التى مرت على هذا المسجد فإن مريديه متعلقون به مثل جدتى الراحلة التى كانت تزوره واسمع همهماتها وهى تقول: "شالله يا قاضى الشريعة.. ياللى حكمت بين أبوك وأمك"، لأجد دعوات لنساء أخريات منهم من يلح فى الدعاء ومنهم من يبكى من فيض الخشوع والرجاء، وحينما سألت جدتى لماذا نزور هذا المقام قالت "من زار الأعتاب ما خاب يا بنتي"، فظلت فى مخيلتى حتى بعد مرور الأعوام ورحيل الطيبة، كنت ما زلت متعلقة برائحة الإمام، رحاب الله الذى يساع العالم كله.

 حالة روحانية دافئة شعرت بها خاصة بعد مشاهدتى لبداية حلقات مسلسل "رسالة الإمام" بطولة النجم المتألق خالد النبوى، والذى يضىء مشوارا حافلا لحياة الإمام الشافعى بشكل لم أكن أعرفه، كل ما كان يدور فى عقلى عنه مجرد قصصات قصيرة للغاية من جدتى التى كانت كل فترة تستدفئ بمسجده، حالة أخذت بخطواتى لـ25 عاما مضت فى حضن بيت جدتى القديم وكلماتها عن آل البيت وكمية البركة التى تأتى من عتباتهم وتعاليمهم التى غرسوها فى أهل المنطقة من بداية وصولهم لها حتى يومنا هذا.

ما كان تحكيه لى جدتى عن الإمام عبارة عن موروثات ومخزونات ثقافية متوارثة من جيل إلى جيل، نظراً لسكنها بالقرب من مسجد الإمام وأيضاً لاعتيادها على الذهاب للصلاة هناك، وكان مما حكته لى – أو ربما أكون قد فهمت ما روته خطأ – بأن الإمام احتكم إليه أبيه وأمه فى نزاع بينهما، مما يجعل الكثيرين يقصدون بابه للاحتكام فى أمر ما عن طريق التضرع إلى الله وطلب المساعدة، واستمرت القصة معى حتى وقت قريب، ولكن مع الاطلاع والقراءة والبحث وجدت أن الإمام قد تربى فى كنف أمه يتيماً، وقد عاش عيشة الفقراء رغم كونه ذا نسب شريف، وهو الأمر الذى ساعد فى تكوين شخصيته الفريدة.

تتلمذ على يد علماء عصره وحفظ القرآن فى سن صغيرة وحضر مجالس العلماء الفقهية وترحل فى طلب العلم من مكة للعراق لليمن وأخيراً مصر التى وصفها مادحاً " لَقَد أَصبَحَت نَفسى تَتوقُ إلى مِصرِ وَمِن دونِها أَرضُ المَهامَةِ وَالقَفرِ فَوَاللَهِ لا أَدرى أَلِلفَوزِ وَالغِنى، أُساقُ إِلَيها أَم أُساقُ إلى القَبر" ساعده كل هذا فى تكوين حصيلة معرفية فتحت له الأبواب ليعرض عليه منصب القضاء فى دولة الرشيد، ولكنه رفض للتفرغ للعلم.

ويسرد مسلسل "رسالة الإمام" سيرة حياته المليئة بتراكمات معرفية أهلته للإفتاء، ولكن باستقراره فى مصر واتخاذ داره (مسجدا) له لتدريس وشرح علوم الدين قد اتخذ به مسلكا آخر، فعندما جاء إلى مصر وقرر البقاء فيها أول ما فعله هو التوقف عن كتابة كتابه الأم الذى كان قد سبق فى كتابته وهو بأرض العراق، نظراً لاختلاف ثقافة وعادات المصريين عن شعب العراق، ليستطيع بذلك تأسيس منهج فقهى محل اعتبار ويدرس حتى يومنا هذا بالأزهر الشريف.

دلائل وعلامات عرفت منها أن لقب "قاضى الشريعة" التى كانت تقوله جدتى لم يتواجد من فراغ لكنه ليس كما ذكرت بأنه حكم بين أمه وأبيه، بل بسبب حكمته وعدله التى تحاكى عنهما المصريون لقرون وعقود، فوضعوا تلك الجملة مجازا لعظمة قدرته على العدل فى ذلك الوقت، فقد تحول مجلسه من مجرد مجلس للدراسة والشرح للتلاميذ إلى مركز للإفتاء وفقاً لكتاب الله وسنة رسوله، وهو الأمر الذى أدى إلى استقطاب جموع من المصريين للتردد عليه واستشارته فى أمور دينهم ودنياهم، فهو فقيه مصر فى ذلك العصر، لا ينازعه أحد فى ذلك، وتحولت منطقة المسجد والدار للإمام إلى مركز يتوافد عليه الطلاب وأصحاب المسائل بل وحتى الباحثين عن العلم والمعرفة فى أمور الدين وافدين من شتى بقاع الدول الإسلامية، لتسمى منطقته بعد ذلك بمنطقة الإمام الشافعى التى أفخر بالانتماء لها.

امتلأت المنطقة بالوافدين والزوار وأصحاب المسائل لمعرفة أمور دينهم، وكيفية الاحتكام لأمور دنياهم من خلال الشريعة، وكأنها منطقة يتعلم فيها المسلم شريعته من أحد الأقطاب لهذا الدين، لذا يطلق على المنطقة فى الثقافة الشعبية أرض الشريعة، لأنها الأرض التى امتلأت بالعلم الشرعى للدين الإسلامي..

ومنذ وفاة الإمام وحتى الآن مازال مسجده قطبا يزوره كل من أحب الدين وعلومه وآل البيت، يقصده كل من ابتهل لله أن يرشده فى أمر ما، فمصر مقصد آل البيت وراحتهم، فهى مدرسة علوم الدين وأرض الشريعة والاحتكام بأمر الله.









الموضوعات المتعلقة


مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة