حكايات من غزة.. محامية فلسطينية لـ"اليوم السابع": طفلى الصغير يتمنى الشهادة للقاء صديقه بالجنة.. أحاول ممارسة دور الأم والطبيبة النفسية.. وتؤكد: سأنقل لكم ما يحدث حتى ألتقى صاروخا يفتت جسدى ويلحقنى بركب الشهداء

الخميس، 02 نوفمبر 2023 05:00 م
حكايات من غزة.. محامية فلسطينية لـ"اليوم السابع": طفلى الصغير يتمنى الشهادة للقاء صديقه بالجنة.. أحاول ممارسة دور الأم والطبيبة النفسية.. وتؤكد: سأنقل لكم ما يحدث حتى ألتقى صاروخا يفتت جسدى ويلحقنى بركب الشهداء غزة
كتب أحمد جمعة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

سلسلة حكايات من غزة التى يقدمها "اليوم السابع" لنقل معاناة الشعب الفلسطينى وسط العدوان الإسرائيلى الغاشم، تتناول اليوم قصة المحامية الفلسطينية جنان نبيل أبو زر، وهى إحدى السيدات اللائي تحاولن البقاء صامدة أمام هذا العدوان الإسرائيلي الذي يشنه جيش الاحتلال ضد المدنيين داخل غزة.

وقالت المحامية الفلسطينية، إن سكان غزة كانوا يعيشون الحياة التي يقبلون بها بكل ما فيها من مآسي ومنغصات وحصار، وذلك من منطلق الإيمان بقوة الرباط وفضل الوجود على هذه الأرض المباركة التي سيبقون ويموتون عليها، لأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة، والموت فداء لها.

وأكدت المحامية الفلسطينية في حديثها لـ"اليوم السابع"، أنها استيقظت فجر يوم السابع من أكتوبر الماضي لأداء صلاة الفجر حيث استقبلت شروق الشمس بكل تفاؤل وهي تسكب قهوتها في ذلك الفنجان المفضل لها استعدادا للتوجه إلى عملها في أروقة المحاكم، مضيفة: دقائق معدودة وإذ بمقاومتنا تصدح بكلمات الفخر والعزة انطلاقا باتجاه أراضينا المباركة متجهة إلى أراضينا المحتلة مكللة بدعواتنا بالسداد والصمود .. جعلنا ذلك كيوم عيد لما حققناه من انتصار وفخر بدخول أراضينا المغتصبة وإتمام ما تم فيها كمحاولات لاستعادة أرضنا من يد الغطرسة والهوان.

وتابعت المحامية الفلسطينية وصف ما جرى في السابع من أكتوبر: "ما هي إلا ساعات وصلنا لليلة حالكة بغيضة انهالت علينا صواريخ العدو المحتل بكثافة لتهتز بها منازلنا وتملك الخوف قلبي خوفا على أبنائي.. هذا الخوف جعلنا ككل حرب تشن على غزة نعيش في غرفة واحدة نعتقد بأنها الأكثر آمنا في منزلنا المتواضع داخل منطقة شمال غزة وتحديدا مخيم جباليا الصامد .. انهالت علينا القذائف والصواريخ ومقاومتنا تصدت لها بكل بسالة وهذا ما نقلته الكاميرات الصادقة من أرض الميدان".

وأضافت المحامية الفلسطينية: "ما أن تزايدت وتيرة القصف بشكل جنوني للحد الذي وصل إلى القصف العشوائي تارة وتارة لقصف المنازل على رؤوس ساكنيها ومع التهديد المستمر بإخلاء شمال غزة .. قررت ككل أم تحب أطفالها وبيتها وأرضها الصمود في منزلي واستمر هذا الصمود بضعة أيام إلا أن القصف الهمجي والغادر والبيوت المهدمة جعلني انتقل بأولادي إلى مكان قريب كأنه أكثر أمانا وليس بالبعيد فهو لازال في جباليا شمال القطاع".

تعد مناطق شمال غزة وتحديدا بين حانون وبيت لاهيا وكذلك جباليا أحد أبرز المناطق التي تتعرض لأشد أنواع القصف سواء بالطائرات الحربية أو المدفعية أو الدبابات، بالإضافة لشن جيش الاحتلال الإسرائيلي لحرب نفسية ضد سكان هذه المناطق لإجبارهم على النزوح جنوبا، ولم يعد أي مكان آمن في الشمال حيث دمر الاحتلال آلاف المنازل وارتكب مجازر بشرية بشعة للغاية.

ووصفت المحامية الفلسطينية جنان المحتل الإسرائيلي بالمتغطرس الذي تجذرت فيه كراهية الطفولة والإنسانية كونه كيان استعماري، مشيرة إلى صدمتها بقصف الاحتلال لمنزل جيرانها وتدمير منزلهم على رؤوسهم، مضيفة: كنت كأقوى أم فلسطينية تخفي الدموع والحزن عن أطفالها الثلاثة حفاظا على صمودهم وقوتهم.. لم أكن أعلم بأن طفلي ذو السبع سنوات يقف على شرفة الغرفة المقابلة للمنزل المهدم والمدمر ودموعه تتهاوى على خديه الناعمين وقد علم باستشهاد صديق طفولته وصديقه المقرب داخل الفصل الدراسي وخارجه الطفل الجميل هادي، وكانت دعواته الموجعة لثنايا القلب تخرج من فم طفل صغير صاحب قلب رجل كبير وتصل السماوات محملة بكل أمل إلى العالم بأن يخرج صديقه المقرب من تحت أنقاض بيته سليما أو جريحا المهم ليس شهيدا.

وتضيف المحامية الفلسطينية بالقول: انتظرنا ليومين متتاليين أمام الأدوات البسيطة للدفاع المدني وقلوبنا معلقة على أمل أن يعيش صديق ابني .. علمت بخبر استشهاد الطفل لاحقا وحاولت أن أخفي عن ابني ذلك إلا أنني فشلت أن أمنع عن مسامعه كلام الجيران .. كانت تلك الصدمة التي أنهار بسببها باكيا.. طفلي بسنواته السبع التي أصبحت سبعون سنة بجسد طفل .. اختلفت الأيام والساعات وتوقفنا عن ممارسة أعمالنا وعن دخول محاكمنا ورؤية منصات القضاء التي كانت تعمل كخلايا النحل لرد الحقوق إلى أهلها وأصبحنا نحن من نطالب العالم برد حقوقنا.

وتابعت الأم الفلسطينية التي تبدو قوية في حديثها لكن الألم يعتصر قلبها خوفا على أطفالها: "في كل ليلة تشتد وتيرة القصف عن سابقاتها بشكل جنوني أكثر ومع انقطاع الكهرباء تماما وقطع المياه وصعوبة وصول الإنترنت لمنازل سكان غزة، ألغيت فنجان قهوتي الصباحي حفاظا على قطرات الماء التي أرويها لطفلتي قبل نومها .. امتنعت عن طهو الطعام الذي يحتاج إلى الخبز حتى لا أحرم ابنتي من عاداتها الصباحية بتناول فطورها كسرة خبز مع زيت الزيتون والزعتر الفلسطيني.

تضيف المحامية جنان: حاولت ممارسة دور الأم والطبيبة النفسية والمرشدة النفسية والقوة المحيطة بأركان هذا البيت الذي يتهاوى القصف من حوله ولا نحتمي إلا بصلواتنا ودعائنا لله.. على الرغم من ذلك عجزت عن نسيان أن ابني يبكي على صديقه كل ليلة، وفشلت في أن انسيه رائحة صديقه هادي الذي ما انفك أن يشتمها بين حين وآخر.

وتنتقل الأم والمحامية الفلسطينية للحديث عن المواقف الصعبة التي تحدث ليلا حيث يشتد القصف العنيف: كانت الساعة الواحدة صباحا في ليلة من الليالي .. وجدت أخي يهاتفني وإذ بصوته المرتجف يطلب مني أن افتح باب منزلي في هذا الوقت الصعب لاستقبل أهلي بعد خروجهم من قصف منزل مجاور كاد أن يودي بحياتهم كما أودى بسيارتهم وأصبحت السيارة عجينا بعد السواد .. لم أتوقع هذا المنظر فتحت الباب في تلك الساعة المتأخرة التي يمتنع عن أي أحد السير ليلا حتى لا يتعرض للقصف .. رأيت منهم المصاب ومنهم الذي شاخ لون شعره الأسود إلى الأبيض مع غبار القصف.. وتلك الطفلة التي ترتجف رعبا ودموعها تشق طريقا مبللا على خديها البريئين .. رأيت أبي حزينا على هذا التشرد.. رأيت أمي تتعكز على أبي الذي تمنى أن يفتح قلبه مركبا أو طائرة لهم .. رأيتهم بحالة يرثى لها.

وأضافت بالقول: انقلبت حياتنا رأسا على عقب آمالنا توقفت مستقبلنا أصبح مجهول .. عملي لم يعد له أفق معروف .. منزلي الذي انتظرت كثيرا لبنائه أصبح في منطقة منكوبة .. بكيت بحرقة بسبب حوار بين أطفالي الثلاثة.. طفلتي الكبيرة تخبرهم بأنها ستعود قريبا للمدرسة لرؤية صديقاتها اللاتي تعشقهن وتحب مجالستهن وهي لا تعلم باستشهادهن في قصف همجي لمنزل عائلتهن ولازلنا تحت الأنقاض.

وتنقل الأم والمحامية الفلسطينية بعض أحاديث أطفالها: وما إن ردت عليا ابنتي الوسطى ذات الثماني سنوات لتقول أنا اشتاق لحصص الرياضيات واللعب في ساحة المدرسة وهي لا تعلم أن مدرستها قد ارتقت لجنة الله ومدرستها أصبحت مأوى للنازحين الفاقدين لبيوتهم في الشمال .. وعند وصول الحديث لطفلي الصغير قال لهن أنا أتمنى أن أصبح شهيدا حتى ألقى صديقي حبيبي هادي وأعيش معه في الجنة التي لا قصف ولا هدم بيوت فيها.

وتضيف الأم والمحامية الفلسطينية قائلة: هنا لم أتمالك نفسي فأخذتهم في حضني ازرع بهم القوة من جديد وقلت لهم سنبني مرة أخرى ونصمد أكثر وأكثر حتى صدموني بكلمة لجمت حروفي عن الخروج عندما قالوا لي بسخرية حارقة مع ضحكة معذبة: هذا إن عشنا يا أمي.

وتتابع المحامية الفلسطينية سردها لما يحدث في غزة: نحن تحت هذا السقف نخاف اقتراب الليل الذي أصبحنا نميز فيه نوع الصاروخ ونوع القذيفة .. نميز تصفير كل قذيفة وكل صاروخ وقد أصبحنا خبراء بجرمهم وليس لنا إلا حسبنا الله ونعم الوكيل .. هذا القليل جدا من يومياتي خلال هذه الحرب التي لم تنته، والتي سأوافيكم بكل ما حدث ويحدث فيها حتى ألقى الصاروخ الذي سيفتت جسدي وألحق بركب الشهداء.

السيارة المدمرة
السيارة المدمرة
استهداف المنازل
استهداف المنازل
الطفل الشهيد هادي
الطفل الشهيد هادي
صورة اوضح للمنزل
صورة اوضح للمنزل









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة