اقرأ مع زكى نجيب محمود.. "أسس التفكير العلمى" يتناول التجريد والتعميم

الإثنين، 01 فبراير 2021 12:00 ص
اقرأ مع زكى نجيب محمود..  "أسس التفكير العلمى" يتناول التجريد والتعميم غلاف الكتاب
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نبدأ اليوم قراءة المشروع الفكرى للفيلسوف المصرى الكبير زكى نجيب محمود، "1905- 1993"  والذى يعد واحدا من أبرز المثقفين والمفكرين المصريين فى القرن العشرين، ونتوقف اليوم مع كتابه "أسس التفكير العلمى".
 

يقول الكتاب:

هذه صفحات أكتبها عن أسس التفكير العلمى موجهة إلى القارئ العام، وأول ما أريد لهذا القارئ العام أن يتبيَّنه فى وضوح ناصع، لكى يتجنب كل لَبس بين المتشابهات، هو أن للإنسان مجالات مختلفة يتحرك فيها بنشاطه الذهنى، فليس العلم أو التفكير بمنهج العلم هو مجاله الوحيد، بل إن له لميادين كثيرة أخرى، ولكل ميدان منها موازينه الخاصة، فإذا قلنا فيما يلى من الصفحات إن المنهج العلمى يقتضى كذا وكذا من الشروط وقواعد السير، فلسنا نعنى إلا مجال العلم وما يدور مداره، وأما غير العلم من ميادين النشاط الإنسانى فليس هو موضوعنا هنا.

أسس التفكير العلمى
 
 إن ما سوف نوجز القول فيه هنا لا ينطبق — مثلًا — على مجال الفن والأدب، ولا على حياة الإنسان الوجدانية بصفة عامة، وليس الأمر فى حياة الإنسان الشاملة، هو أن نقول له: إما أن تكون ذا منهج علمى فى تفكيرك وإما ألا تكون؛ كلا، بل شأن الإنسان فى حياته هو أن يكون هذا وهذا وذاك وذلك فى حياة واحدة، ولكنه — مع ذلك — مطالب بأن يلتزم فى كل ميدان منهاجه الملائم، على أن نتذكر هنا بأن الملاءمة فى هذا الميدان أو ذاك — ليست فرضًا مصبوبًا على الإنسان من حيث لا يدري، فلا حيلة له إلا أن يصدع بما فُرض عليه، بل إنه لفرض وجب التزامه على ضوء خبرة الإنسانية عبر تاريخها الطويل؛ فإذا قيل لنا: إن منهاج العلم هو كذا وكيت؛ كان معنى ذلك أن خبرة الإنسان فى محاولاته قد دلَّت على أن هذا المنهاج المعيَّن هو أفضل طريق للسير فى مجال البحث العلمي، دون أن يمنع ذلك من أن يُدخل عليه من التعديلات ما يتبين أنه الأصلح.
 
إنه إذا قال شاعر كأبى العلاء "ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد" فلا يجوز أن يتعرَّض له عالم الجيولوجيا قائلًا: لقد أخطأت، فسطح الأرض ليس مقتصرًا فى عناصره على العناصر التى تتكون منها أجساد البشر، بل فيه ما ليس فى هذه الأجساد من عناصر؛ لا، لا يجوز لعالم الجيولوجيا أن يعترض على الشاعر بمثل هذا؛ لأن للشاعر مقياسًا يُقاس به صوابه الشعري، غير المقياس الذى يُقاس به الصواب والخطأ فى العلم؛ فعندما قال أبو العلاء إن أديم الأرض — فى ظنه — ليس إلا من أجساد بشرية كانت كأجسادنا، لكن جاءها الموت فبليت وتحلَّلت وباتت ترابًا من هذا التراب الذى ندوس عليه بأقدامنا — فإنما أراد أن يحدَّ من غرور الإنسان بنفسه، وهو هدف لا يتَّصل من قريب ولا من بعيد بهدف عالم الجيولوجيا حين يُحلِّل تربة الأرض إلى عناصرها ليعلم ما مكوناتها؛ ولكل من الشعر والعلم ميزان خاص؛ أما ميزان الشعر الجيد فهو من شأن نقاد الأدب، وأما ميزان العلم الصحيح فهو فى أيدى من ألموا بأصول المنهج العلمي.
 
ونحن إذا ما قصرنا أنفسنا هنا على مجال التفكير العلمى وحده، فسرعان ما يتبين لنا — بعد نظرة فاحصة — أن المجال يتفاوت محتواه تفاوتًا بعيدًا، فمن هذا المحتوى ما ليس ينطبق إلا على مجال ضيِّق فى دنيا الأشياء، ومنه ما يتَّسع مدى تطبيقه حتى ليشمل كل شيء فى الوجود؛ فقارِن — مثلًا — بين حقيقة تقال عن دودة القطن كيف تولد وتحيا وكيف تموت، أو حقيقة أخرى تُقال عن جبل المقطم وأنواع صخوره، أو عن السد العالى وطريقة بنائه والأهداف التى يحققها، قارن أمثال هذه الحقائق بحقيقة عن سرعة الضوء أو حقيقة عن تركيب الذرة وما فيها من كهارِب، أو عن الجاذبية وقانونها؛ فهذه كلها مقارنات تخرج منها بنتيجة، هى أن الحقائق العلمية ليست كلها من درجة واحدة، بل هى درجات تتصاعد من حيث التجريد والتعميم.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة