وعلى مدار السنوات الأخيرة، رفضت "الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا"، الكيان الراعي والمشرف على "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان"، الموافقة على ترشيح العديد من الشخصيات التي زكاها النظام التركي، وهو ما عزته المحكمة "لافتقارهم للكفاءة"، وهو أمر أثار موجة من التوتر بين أنقرة والجمعية البرلمانية استمرت لسنوات. وانتهى التوتر بين الجانبين في الأول من يوليو لعام 2019، بالموافقة على ترشيح الأكاديمية، سادات يوكسيل، للعمل كقاضية في المحكمة ممثلة لتركيا.


وقد أعرب مراقبون ومعنيون بملفات حقوق الإنسان عن قلقهم من انحياز القاضية "يوكسيل" وتباريها للدفاع عن النظام التركي؛ نظراً للروابط الوثيقة التي تجمعها بـ"حزب العدالة والتنمية"، فضلاً عن أن شقيقها، كونييت، كان مشرعاً ونائباً لرئيس الحزب، إلى جانب أنها كانت تتعاون مع مؤسسات إسلامية تحظى برعاية حكومة أردوغان ودعمها.


ويقول "المرصد الأوروبي لمناهضة التطرف" - في تقرير أخير أصدره - إن الانتقادات التي أبدى المراقبون تخوفهم ثبت صحتها ولاسيما أن "حصان طروادة"، البالغة من العمر 37 عاماً، التي كانت تُدرس القانون في كلية الحقوق بجامعة اسطنبول، درجت على معارضة القرارات التي تصدرها المحكمة الأوروبية، والتي تتيح لمعارضي أردوغان الاستفادة من البنود الرئيسية لـ"المعاهدة الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية"، التي تعد على نطاق واسع أكثر الاتفاقات الدولية فعالية في مجال حماية حقوق الإنسان.


عارضت يوكسيل قرار المحكمة الصادر في 20 ديسمبر 2020، بمطالبة حكومة أنقرة بإطلاق سراح السياسي الكردي المعارض والمنافس لأردوغان، صلاح الدين ديمرتاش، كما رفضت التوصيف الذي قالته المحكمة بإسباغ "حالة الضحية" على المعارض ديمرتاش نظراً لاحتجازه احتياطياً لمدة طويلة دون وجه حق في انتهاك واضح لحرية التعبير.


وفي 10 ديسمبر لعام 2019، أصدرت المحكمة الأوروبية حكمها بشأن الحقوقي ورجل الأعمال، عثمان كافالا، البالغ من العمر 63 عاماً، والذي تعرض للحبس الاحتياطي لمدة طويلة، معتبرة أن احتجازه له دوافع سياسية. وقد اتهم كافالا بأنه كان العقل المنظم والمدبر وراء تنظيم احتجاجات "ميدان تقسيم" التي شهدتها اسطنبول عام 2013. ولم تصمت القاضية يوكسيل حيال القرار بل عارضته معتبرة أن ممارسات كافالا لا ينظر إليها في تركيا على أنها أنشطة حقوقية، وقالت إنها بحاجة إلى دراسة وتقييم أكثر شمولاً.


كانت محكمة في أسطنبول أسقطت عن كافالا وثمانية مشتبهين في قضية "احتجاجات ميدان تقسيم"، غير أنه بعد ساعات صدرت أوامر بالقبض عليه بتهم تتعلق بمشاركته في محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في تركيا عام 2016. يستهدف الرئيس التركي أردوغان بصورة علانية ومتكررة كافالا، ويتهمه بأنه حصل على أموال من الملياردير "اليهودي المجري الشهير"، جورج سوروس للعمل على إطاحة حكومة أردوغان.


وانبرت القاضية يوكسيل مرات عدة للدفاع في قاعات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عن النظام التركي والرئيس أردوغان وقرارات المحاكم التركية، في قضايا مختلفة تتعلق بمعارضين آخرين مثل زعيم "حزب الشعب الجمهوري"، كمال كيليشدار أوغلو، الذي غُرم لانتقاده أردوغان في اجتماعات حزبية داخل البرلمان. وفي حكم صدر من المحكمة الأوروبية لاعتبار ما جرى للصحفي المعارض، والبرلماني الحالي، أحمد شيخ من احتجاز وحبس، انتهاكاً لحرية التعبير، تصدت القاضية يوكسيل وكانت الوحيدة التي عارضت الحكم.


بالنسبة لقضية القاضي السابق، حقان باش، الذي تعرض لاحتجاز وحبس احتياطي بتهمة عضويته في منظمة "جماعة الإيمان"، التي يطلق عليها "حركة جولن"، الموالية لرجل الأعمال فتح الله جولن، الي تعتبرها الحكومة التركية منظمة إرهابية، خرجت المحكمة الأوروبية بتقديرها بأن احتجاز باش غير قانوني، وكالعادة كانت القاضية يوكسيل الوحيدة التي عارضت الحكم.


تعرضت القاضية يوكسيل لموجة عاتية من الانتقادات لدى زيارتها الأخيرة التي قدمت فيها إلى تركيا، بصحبة رئيسها رئيس "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان"، روبرت سبانو، في سبتمبر 2020. ويعتبر سبانو أول رئيس للمحكمة يزور تركيا، تلك الدولة التي استحوذت على 16 في المائة من القضايا التي نظرتها المحكمة. وقد التقى سبانو ويوكسل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اجتماع مغلق داخل القصر الرئاسي.
وبقيت خيبة الأمل من نصيب كثيرين ممن توقعوا أن يوجه سبانو رسالة شديدة اللهجة لكبار المسؤولين الأتراك يطالبهم فيها بتنفيذ أحكام المحكمة الأوروبية واحترام حكم القانون. فقد قام سبانو بزيارات ودية ومجاملات، وتلقى الدكتوراه الفخرية من جامعة اسطنبول، التي فصلت عدداً من الأكاديميين في حملة ضارية طالتهم منذ عام 2016.1.


وتعرض رئيس المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لانتقادات لاذعة بسبب تلك الزيارة التي رأى نقاد أنه وقع تحت تأثير يوكسيل، وبعيدا عن كونه كُرم من جامعة اسطنبول، التي كانت تعمل فيها يوكسيل قبيل تعيينها في المحكمة، فإن المفاجأة تمثلت في قيامه بزيارة إلى مدينة ماردين، جنوبي تركيا، حيث مسقط رأس يوكسيل، والتقى خلالها بأفراد عائلتها ومن بينهم شقيقها المشرع السابق في "حزب العدالة والتنمية" كونييت.


وأثار سبانو رئيس المحكمة الأوروبية حفيظة المعارضة التركية بعد التقاطه صوراً مع أعضاء "حزب العدالة والتنمية"، وهي الصور التي قام فرع المرأة التابع للحزب بمشاركتها على موقع "تويتر"، غير أن الصور سرعان ما حُذفت في أعقاب موجة غاضبة من الانتقادات.


يقول المرصد أنه لم تتضح بعد الأسباب التي دفعت رئيس المحكمة الأوروبية، روبرت سبانو، إلى القيام بزيارة إلى مسقط رأس القاضية التركية يوكسيل أثناء زيارة رسمية يقوم بها إلى تركيا. من جانبها، ألمحت صحيفة "لو موند" الفرنسية إلى أن يوكسيل وسبانو تربطهما علاقة صداقة وثيقة، وادعت أن "علاقتهما عاطفية بأكثر منها مهنية".