د. إبراهيم نجم

شهر الإشراقات الروحية

الخميس، 30 أبريل 2020 07:41 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى ظل ما نعيشه من أزمات كثيرة فى هذه الأيام نحن أحوج ما نكون إلى بعث التصوف الحقيقى فى حياتنا كثورة روحية تعيد إلى الحياة معناها ورونقها، نحن بحاجة إلى إصلاح ما فسد من نفوسنا وتنوير ما أظلم من قلوبنا ونقطة الانطلاق هى شهر رمضان شهر الإشراقات الروحية.
 
وقد وضع الصوفية الأوائل منهجًا دقيقًا لإصلاح علل القلوب والنفوس، غائصًا فى أعماقها على اختلاف عللها وأمراضها، واصفًا الدواء النافع والترياق الشافى لها، آخذًا بيدها فى دروب مضيئة من الإصلاح والصلاح.
 
فيرى كبار الصوفية وعامتهم أن الإنسان بدون صلاح قلبه يكون أخس من البهائم والحيوانات، وإذا ارتقت نفسه وأشرقت روحه وامتلأ قلبه بنور اليقين برب العالمين سبحانه وتعالى فإنه يعلو فى معارج «كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها»، حتى يكون عبدا ربانيا يقول للشىء كن فيكون.
 
الناس بحاجة إلى بعث الروحانية وسمو التصوف، مفتقرون إلى معرفته ثم إلى فهمه.
 
وعلى العلماء أن يشرحوا للناس أن التصوف هو مقام الإحسان وذلك أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
عليهم أن يعلموا الناس أن التصوف علم صحيح موروث مؤسس على الكتاب والسنة، وأنه لا يبنى على الجهل ولا الشعوذة ولا الخرافات، بل إن أول وأعظم شعار عند الصوفية «من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به فى هذا الأمر، لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة».
 
علموا الناس أن أهل التصوف هم أهل التواضع لخلق الله وعامتهم لا يرون لأنفسهم منة على أحد من خلق الله، لا يستعلون بعبادتهم على أحد وإن كان غارقًا فى الذنوب والمعاصى بل والكبائر، يقولون ملتمسين له بابًا من حسن الظن: «لعله يحب الله ورسوله»، فالنظر إلى عيوبهم شغلهم عن عيوب الناس، تواضعوا على مبدأ: «اعتقد أن جميع الناس ذهب وأنك وحدك تراب».
 
علموا الناس أن الصوفية هم أهل خدمة الناس وأهل نجدتهم، تراهم يسعون فى سدة خلة الفقير ومساعدة المسكين وإطعام الجائع ومداواة المريض وسد دين المدين، شعارهم: لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، هذا مع تحرى الستر حفظًا لماء وجه أهل الحاجة ومراعاةً لكون الفقير قبل أن يكون صاحب حاجة فهو صاحب عزة وكرامة.
 
علموهم أن الصوفية أهل خلوة بالليل يذكرون الله فرادى وجماعات يصلحون الباطن قبل الظاهر، يتقربون إلى الله تعالى بكثرة الذكر وإطالة الفكر، وأن التاريخ يشهد أنهم لم تشغلهم خلواتهم بالليل عن ساحات الجهاد فى سبيل الله بالنهار، فكانوا حائط الصد ودرع الأمة الحامية لبيضة الإسلام، وهذا صلاح الدين الأيوبى محرر القدس الشريف وسيده نور الدين محمود زنكى وأبوه ومعلمه عماد الدين زنكى، وغيرهم من قادة الإسلام من قبل، ومن بعد كانوا من الصوفية يزكى حميتهم للجهاد أعلام العلماء كالغزالى والعز ابن عبد السلام، ودوره فى التحضير لمعركة عين جالوت معلوم، وابن دقيق العيد وأبى الحسن الشاذلى الذى شارك فى معركة المنصورة وقد التف حوله أتباعه، إلى الأمير عبد القادر الجزائرى والشهيد عمر المختار، والقائمة تطول.
 
أهل العبادة والجهاد هؤلاء كانوا كذلك أهل علم وفقه وأصول إلى جانب الفن والذوق والأدب، فكان منهجهم تهذيبا للنفوس وإصلاحا للدين والعقول، وهذا هو اليوم هو المأمول.
 
نحن بحاجة إلى التصوف بلا شك، والتصوف كذلك بحاجة إلينا لإحيائه وإصلاحه وتنقيته من جهل وخرافات العوام والمحبين وما أفسدته السياسة واللوائح والقوانين العقيمة فى طرقه ومناهجه، فلنعد بالتصوف سيرته الأولى على طريقة الكتاب والسنة، ليكون لنا طوق نجاة ومنهج حياة.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة