منذ أكثر من نصف قرن من الزمان نجحت عالمة الفيروسات البريطانية "جون ألميدا" في اكتشاف أول سلالة من فيروس كورونا التاجي لأول مرة وبالتحديد عام 1964 حيث رأت الفيروس تحت الميكروسكوب، ولكن حينها لم يصدق علماء عصرها أن هذا الفيروس جديداً، ولم يلتفت أحد لها، إلى أن اعترف العالم بفضلها في اكتشاف كورونا الآن بعد وفاتها عام 2007.
ذكرت مجلة "ناشيونال جيوجرافيك"، أن جون ألميدا رأت نقطة رمادية مستديرة مع وجود هالة تشبه التاج أو هالة الشمس تحيط بهذا الكائن الدقيق، وهذا ما عرفه العلماء فيما بعد باسم "فيروس كورونا".. في السطور التالية سوف نتعرف على قصة عالمة الفيروسات أول من اكتشفت فيروس كورونا.
من هي عالمة الفيروسات جون ألميدا ؟
ولدت جون ألميدا وعاشت مع عائلتها في جلاسكو باسكتلندا ببريطانيا، حيث كان والدها يعمل سائق حافلة.
وكانت ألميدا طالبة ذكية ولديها طموحات للالتحاق بالجامعة، لكن بسبب احتياج أسرتها للمال، في سن السادسة عشرة، تركت المدرسة وبدأت العمل كفني مختبر في مستشفى جلاسكو الملكي، حيث استخدمت الميكروسكوب للمساعدة في تحليل عينات الأنسجة.
وبعد انتقالها إلى وظيفة مماثلة في مستشفى سانت بارثولوميو في لندن، التقت بالرجل الذي سيصبح زوجها، الفنان الفنزويلي إنريكي ألميدا.
هاجر الزوجان إلى كندا، وحصلت ألميدا على عمل في مجال المجاهر الإلكترونية في معهد أونتاريو للسرطان في تورونتو بكندا.
و هناك طورت تقنيات جديدة ونشرت العديد من الأوراق التي تصف هياكل الفيروسات التي لم تكن مرئية من قبل.
كيف اكتشفت ألميدا تقنيات جديدة في الفحص بالميكروسكوب؟
كانت تقنية الفحص المجهري التي طورتها ألميدا بسيطة، لكنها ثورية في مجال علم الفيروسات.
عند العمل مع الجسيمات المجهرية، من الصعب معرفة ما الذي تبحث عنه بالضبط، يقوم الميكروسكوب الإلكتروني بتفجير عينة بحزمة من الإلكترونات ثم يسجل تفاعلات الجسيمات مع سطح العينة.
نظرًا لأن الإلكترونات لها أطوال موجية أقصر بكثير من الضوء ، فإن هذا يظهر للعلماء صورة بتفاصيل أصغر وأدق بكثير، يكمن التحدي في تمييز ما إذا كانت النقطة الصغيرة عبارة عن فيروس أو خلية أو أي شيء آخر.
ولحل المشكلة، أدركت الميدا أنها تستطيع استخدام الأجسام المضادة المأخوذة من الأفراد المصابين سابقًا لتحديد الفيروس.
تنجذب الأجسام المضادة إلى نظيراتها لذلك عندما أدخلت ألميدا جزيئات صغيرة مغلفة في أجسام مضادة ، فإنها تتجمع حول الفيروس، لتنبيهها إلى وجوده.
مكنت هذه التقنية الأطباء من استخدام الميكروسكوب الإلكتروني كوسيلة لتشخيص العدوى الفيروسية لدى المرضى.
وواصلت الميدا تحديد مجموعة من الفيروسات بما في ذلك الحصبة الألمانية، والتي يمكن أن تسبب مضاعفات أثناء الحمل.
كان العلماء يدرسون الحصبة الألمانية منذ عقود، لكن ألميدا كانت أول من شاهدها.
قصة اكتشاف ألميدا لفيروس كورونا
عادت ألميدا إلى لندن للحصول على وظيفة في كلية الطب في مستشفى سانت توماس، في عام 1964، اتصل بها الدكتور ديفيد تيريل، الذي أشرف على البحث وجمع فريقه عينات من فيروس شبيه بالإنفلونزا أطلقوا عليه "B814" من تلميذ مريض، لكنهم واجهوا صعوبة كبيرة في زراعته في المختبر. مع فشل الطرق التقليدية.
بدأ الباحثون في الشك في أن B814 قد يكون نوعًا جديدًا من الفيروسات تمامًا.
وأرسل تيريل عينات للعالمة ألميدا، على أمل أن تتمكن تقنية المجهر الخاصة بها من تحديد الفيروس، كتب تيريل في كتابه "الحروب الباردة.. القتال ضد نزلات البرد": "لم نكن متفائلين للغاية ولكننا شعرنا أن الأمر يستحق المحاولة".
على الرغم من أن ألميدا كانت لديها مواد محدودة للعمل بها، إلا أن النتائج التي توصلت إليها تجاوزت أفضل آمال تيريل.
لم تكتشف ألميدا وتخلق صورًا واضحة للفيروس فحسب ، لكنها تذكرت رؤية فيروسين متشابهين في وقت سابق في بحثها: أحدهما أثناء النظر إلى التهاب الشعب الهوائية في الدجاج والثاني أثناء دراسة التهاب الكبد في الفئران وكتبت ورقة عن كليهما، ولكن تم رفضها.
اعتقد المراجعون أن الصور كانت صورًا رديئة الجودة لجزيئات فيروس الإنفلونزا، لكن ألميدا كانت واثقة من أنها تبحث في مجموعة جديدة من الفيروسات.
بينما اجتمع ألميدا وتيريل ومشرف ألميدا لمناقشة النتائج التي توصلوا إليها، تساءلوا عما يطلقون عليه المجموعة الجديدة من الفيروسات.
بعد النظر في الصور، تم استلهامها من بنية الفيروس التي تشبه الهالة جاءت الكلمة اللاتينية "coronam" من كلمة تاج أو "crown" بالإنجليزية ومن هنا جاءت تسمية "فيروس كورونا."
حياة ألميدا بعد التقاعد من عملها في مجال الفيروسات
تقاعدت ألميدا من علم الفيروسات في عام 1985 لكنها ظلت نشطة وفضولية، أصبحت مدربًا لليوجا وكانت تحب جمع التحف، والتي كانت تبحث عنها غالبًا مع زوجها الثاني فيليب جاردنر، وهو أيضًا عالم فيروسات متقاعد.
قبل وفاتها في عام 2007 عن عمر يناهز 77 عامًا، عادت ألميدا إلى سانت توماس كمستشارة وساعدت في نشر بعض الصور الأولى عالية الجودة لفيروس نقص المناعة البشرية ، الفيروس الذي يسبب الإيدز.
وقالت أحد زميلاتها التي عملت معها، هيو بنينجتون، أستاذة فخرية في علم الجراثيم في جامعة أبردين، في مقابلة مع صحيفة هيرالد: "إنها بلا شك واحدة من العلماء البارزين في جيلها، لكنها منسية للأسف إلى حد كبير".
وأضافت إن تفشي كورونا ألقى الضوء مرة أخرى على عملها.
واليوم، لا يزال الباحثون يستخدمون تقنياتها لتحديد الفيروسات بسرعة ودقة، وبعد 56 عامًا من رؤيتها لأول مرة لفيروس كورونا من خلال المجهر أدرك العالم أهمية ما كانت تقوم به.
جون ألميدا
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة