د. إبراهيم نجم

العلاقة بين وباء الإرهاب وجائحة كورونا

الأربعاء، 22 أبريل 2020 09:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هذا العالم المترامى الأطراف بات قرية صغيرة بمعنى الكلمة، أى حادثة مهما بدت عابرة شديدة المحلية تؤثر فى أقصى مكان فيه، لا تراعى اختلاف الثقافات والعادات ولا تنوع الأجناس والأديان، ولا تقف دون الحدود والمعابر، ولعل تفشى وباء كورونا المستجد أكبر كاشف لهذه الظاهرة المعاصرة؛ لأننا نلمس آثاره ونعاينها مباشرة، بشكل إجرائى عملى لا يقتصر على التنظير عن غير تجربة، فقد بدأت القصة فى الغالب بسلوك فردى أو جماعى محدود فى قرية بعيدة لم يكن يتصور أن حادثًا عرضيًّا يحدث فيها يمكن أن يؤثر على العالم كله من أقصاه إلى أقصاه، الظاهر أن أحدًا ما فى تلك المدينة الصينية البعيدة تناول على غدائه بعض أنواع الطعام الموبوء، وهو العائل الطبيعى لهذه الأنواع من عائلة كورونا التى تضم فيروسات كسارس وميرس وأخيرًا فيروس كوفيد 19 المستجد الذى تحور بشكل ما لينتقل من أحد هذه الأطعمة إلى الإنسان، ثم تحور لينتقل من الإنسان إلى غيره من بنى جنسه نتيجة هذا السلوك الغذائى الذى يبدو مرتبطًا بجماعة ضيقة محصورة فى هذه البقعة النائية من العالم، ولم يكن فى حسبان أحد أن يؤثر هذا السلوك على بقية البشر حتى النباتيين منهم البعيدين كل البعد عن هذه السلوكيات الغذائية.
 
هذا بالضبط ما يمكن أن يحدث نتيجة سلوك يبدو شخصيًّا مقتصرًا على فرد أو جماعة ما أو ثقافة محلية محصورة فى بيئة معينة، كثقافة التطرف التى ربما تبدأ من فتوى شاذة أو كلمة ألقى بها شيخ متشدد لا يعرف مآل فتواه، وما يمكن أن تحدثه كلمته من أثر مدمر يصيب مجتمعه أو يمتد أثره إلى سائر أطراف العالم المترامى الذى لا يعدو أن يكون قرية صغيرة، وهل كانت أحداث الحادى عشر من سبتمبر التى غيرت وجه التاريخ تغييرًا جذريًّا إلا نتيجة وجهة نظر بائسة أو اجتهاد خاطئ لشيخ متطرف دعا أتباعه إلى وجوب قتال العدو الأكبر شيطان العالم بزعمه، فعادت فتواه خرابًا على بلدان مسلمة ما زالت تكابد تبعات هذه الفتوى؟ ولا زالت موجات التطرف تتمدد نتيجة هذا الحجر الذى ألقاه بن لادن ومن قبله حسن البنا وسيد قطب وأبو الأعلى المودودى وغيرهم فى الشرق والغرب فخرجت جماعة إرهابية من عباءة جماعة أخرى حتى ابتلى العالم فى القرن الحادى والعشرين بأشد كوابيس التطرف والإرهاب ممثلًا فى تنظيم داعش، الذى أضر أشد الضرر بسمعة الإسلام ومصالح المسلمين فى كل مكان على ظهر المعمورة.
 
وهكذا لم تعد السلوكيات الثقافية، مهما بدت فردية أو محلية محصورة فى أفراد أو جماعات قليلة، حكرًا على أصحابها، بل إن أثرها يتعدى بيئتها إلى سائر البيئات مهما بدت حصينة ممتنعة على العدوى، وهذا يتطلب من أبناء هذه «القرية الصغيرة» التكاتف معًا للحد من أى سلوك يمكن أن يضر بسفينة البشرية، فلا ينبغى التهاون مع أصحاب الفتاوى التكفيرية أو التقليل من آثارها، فإنها تؤدى فى نهاية الأمر إلى التطرف على الصعيدين المحلى والعالمى، حيث إن الإرهاب هنا يقابله إسلاموفوبيا هناك، وفى الحالين يتضرر المسلمون، من هنا وجب على أولى الأمر من أجهزة الدولة المعنية الأخذ على أيدى الداعين إلى التطرف النافخين فى نار الفتنة، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا».
 
إن المحنة التى لا نتعلم منها كيف نواجهها إذا تكررت، كالتاريخ الذى نقرؤه دون اعتبار بأحداثه فنكون عرضة لتكرار المأساة كلما تكررت أسبابها، وسوف تمر جائحة الإرهاب كما ستمر جائحة كورونا وقد اكتسب الشعب منها ثقافة مغايرة لما كان عليه قبلها، سيتعلم كيف يطهر بيته وبيئته ليحمى نفسه ووطنه، سوف يتعلم كيف يحترم العلم والتخصص ولا يستمع لكل ناعق يهرف بما لا يعرف فيدعو إلى الخراب وهو يحسب أنه يحسن العمل.. يجب أن نتعلم كيف نجمع بين العلم والإيمان، فندعو الله مخلصين فى الدعاء أن يوفق العلماء المتخصصين كى يصلوا إلى عقار يخلصنا من هذا الوباء، ولا نستمع إلى من يزدرى العلم ويشمت بالعلماء لأنهم يقفون عاجزين –بزعمه- عن مواجهة مخلوق ضعيف كهذا الفيروس، فيزيدون الفرقة فى نفوس الناس بين العلم والدين، وكأنهما طريقان لا يلتقيان؛ إما الاعتقاد بأن الوباء جند من جنود الله وغضب يصيب به من يشاء من عباده، أو اتباع طريق العلم الذى يتربصون به الدوائر ليسهل عليهم التدليس على الناس.
 
إن هذه الدعوى العجيبة وإن بدت متهافتة لكن أثرها شديد على الثقافة العامة، حيث تؤدى بالناس إلى احتقار العلم والاستهانة به والتواكل والاتكال على الآخرين الذين سخرهم الله لنا فهم يتكبدون عناء البحث العلمى بينما نحن مكتفون بسلاح الدعاء، «قلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ»! إنها كلمة ساذجة قد يلقيها أحدهم من فوق منبره أو قناته أو على منصة التواصل الاجتماعى ولا يلقى لها بالًا، فتثور أعاصير الفتنة فى أقاصى الأرض جراء كلمته، فيما يشبه أثر الفراشة الذى قال عنه محمود درويش: أثر الفراشة لا يرى.. أثر الفراشة لا يزول.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة