ذكرى رحيل كوكب الشرق.. أم كلثوم بنت عصر التنوير.. معجزة فنية ساهمت فى صعودها التغيرات السياسية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية فى عشرينيات القرن العشرين.. أخفت عمرها خوفا من الحسد.. وبدأت مسيرتها بالإنشاد

الخميس، 13 فبراير 2020 11:03 ص
ذكرى رحيل كوكب الشرق.. أم كلثوم بنت عصر التنوير.. معجزة فنية ساهمت فى صعودها التغيرات السياسية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية فى عشرينيات القرن العشرين.. أخفت عمرها خوفا من الحسد.. وبدأت مسيرتها بالإنشاد أم كلثوم وأحمد رامى والشيخ مصطفى عبدالرازق
عادل السنهورى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

«الست» كانت الواجهة الفنية مع طلعت حرب فى الاقتصاد وعلى ومصطفى عبد الرازق فى الدين وسلامة موسى والمنفلوطى ورامى فى الأدب والفكر

شركات الأسطوانات العالمية تنافست على الصوت الجديد.. ومراسل جرامفون فى القاهرة ينصح الشركة الإنجليزية بالإسراع فى التعاقد مع الآنسة

ماذا قال فوجل الألمانى السكندرى فى تقريره للشركة الإنجليزية عن أم كلثوم وكيف تعاقدت بـ1600 جنيه إسترلينى فى السنة الواحدة؟

 
 
فى ذكرى رحيلها الـ45 هذا الشهر- فقد رحلت عن دنيانا فى 3 فبراير 1975 - لا يمكن فهم الظاهرة الفنية الممتدة أو المعجزة الغنائية المستمرة التى اسمها أم كلثوم دون فهم طبيعة المتغيرات السياسية والظروف الاجتماعية والاقتصادية والفكرية التى أحاطتها، وعاشت فيها منذ بداية القرن العشرين وحتى إرهاصات الثورة المصرية الشعبية فى مارس 1919 ثم تفاعلاتها وإفرازات تلك الثورة وتأثيراتها فى المجتمع المصرى، وبما حققته من نهضة فكرية واجتماعية ربما اكتملت دائرتها بعد ثورة يوليو 52.
 
الظروف والمتغيرات بالتأكيد تساعد فى الصعود مع منسوب النهوض المجتمعى لأى موهبة أدبية أو فنية أو غنائية، لكن لا ننسى المقومات والخصائص والصفات الشخصية، وأم كلثوم كما أحاطت بها ظروف النهوض وتوافرت لها أسباب النجاح والنجومية إلا أنها كسيدة جاءت من أعماق الريف المصرى فى الدلتا كانت شخصية مثقفة جدا وواعية وصاحبة «كاريزما» تحلق من حولها الكثيرون من الأدباء والشعراء والسياسيين حتى إنها صعدت قريبا من العرش الملكى ومنحت لقب «صاحبة الكمال»، رغم أنها سيدة من الشعب وليس من أبناء العائلة المالكة وكادت أن تتزوج من أحد أبناء تلك العائلة بل أهم رموزها فى فترة تاريخية معينة، وهو عبد الرحيم باشا صبرى، شقيق الملكة نازلى، وخال الملك فاروق.
 
الصفات الشخصية أيضا تبلورت فى الوعى والذكاء الاجتماعى الفطرى التى صقلت بالعلاقات الاجتماعية وبالقراءة الدائمة وبحفظ القرآن الكريم، علاوة على صفات العزة والكبرياء التى تمتعت بها شخصية أم كلثوم. 
 
فى بداية القرن العشرين كانت مصر تعيش عصر النهضة على وقع ما حققه الخديو إسماعيل ثم بعد سنوات قليلة تولى الخديو عباس حلمى الثانى فى يناير 1898 وحتى ديسمبر 1914 وحاول أن ينتهج سياسة إصلاحية، ويتقرب إلى المصريين، ويقاوم الاحتلال البريطانى، فانتهز الإنجليز فرصة بوادر نشوب الحرب العالمية الأولى، وكان وقتها خارج مصر، فخلعوه من الحكم وطلبوا منه عدم العودة ونصبوا عمه حسين كامل سلطانًا على مصر، بدلًا من أن يكون «خديو»، وفرضوا على مصر الحماية رسميًا، ويوجد فى القاهرة كوبرى باسمه وهو كوبرى عباس الذى يربط بين جزيرة منيل الروضة والجيزة. فى تلك الأثناء وفى قرية صغيرة ملقاة على خارطة القطر المصرى اسمها «طماى الزهايرة» بالسنبلاوين محافظة الدقهلية ولدت أم كلثوم أو فاطمة فى 31 ديسمبر من عام 1902، وهو محل جدل حتى الآن فقد تحير المؤرخون والنقاد فيه.
 
فى تحديد سنة مولدها لأنها أخفت عمرها الحقيقى- ربما خوفًا من الحسد- كما فعل محمد عبدالوهاب، لكن الناقد والمؤرخ اللبنانى إلياس سحاب توصل إلى هذا التاريخ بعد سلسلة من الحسابات والاستنتاجات مستندا فى ذلك على حوارها الطويل مع الدكتورة نعمات أحمد فؤاد فى كتابها «أم كلثوم وعصر من الفن».
 
فى ظل التفاعلات السياسية تولد المعجزة وتبدأ حياتها الغنائية بالإنشاد الدينى مع والدها الشيخ إبراهيم البلتاجى، وظلت تجوب القرى والمراكز المحيطة ببلدتها تنشد وترتل، حتى استجاب أبوها إلى إلحاح المخلصين فى ضرورة الحضور إلى القاهرة والاستقرار بها، حتى تنال ابنته المجد الذى ينتظرها، وهو ما كان بالفعل فى عام 1923، أى بعد ثورة 1919 بأربع سنوات فقط. 
 
أم كلثوم
أم كلثوم
 
كانت مصر تموج ببدايات الثورة والمطالبة بالحرية والاستقلال مع تولى السلطان عباس كامل ثم الملك فؤاد الأول، وخرجت المرأة تطالب بحريتها وإسقاط قيود التخلف عن عقلها ووجدانها، وأغلب الظن أنه لولا هذه الثورة ما تركت أم كلثوم قريتها، ولا كنا سمعنا بها.. مثلها مثل باقى المواهب فى باقى المجالات الفكرية والاقتصادية والدينية.. فمن بين حسنات ثورة 19 وبدون تعصب وبتجرد تام أنها دفعت بالمصريين إلى آفاق العصر الحديث والتطلع إلى التقدم وتحطيم صخور وأسوار الجهل والتخلف الذى حاول المستعمر العثمانى والإنجليزى فرضه على المصريين، وبدأ الإحساس العالى بالوطنية والمصرية، وخرج من بين الصفوف أصوات وأفكار تنادى بالتحرر والتنوير والاستقلال والاعتماد على الذات فكانت أفكار الشيخ محمد عبده مازال صداها يتردد فى عقول المصريين، ثم تظهر نخبة دينية ممثلة فى الشيخ على عبد الرازق والشيخ مصطفى عبد الرازق، الذى سيكون له دور فى تبنى الموهبة الصاروخية أم كلثوم- فيما بعد- ثم يظهر سلامة موسى بأفكار ومصطفى لطفى المنفلوطى وطلعت باشا حرب وسيد درويش وسعد زغلول قائد الثورة وأم المصريين صفية زغلول وهدى شعراوى وأنصارها.
 
وسط هذا المخاض والتموج السياسى والاجتماعى والفنى والدينى تطل أم كلثوم كواجهة فنية متطورة تعبيرا عن الجانب الفنى لثورة 19 بعد وفاة سيد درويش عام 23 الذى وحد الشعب بصوته وأخرج الغناء من كهوفه إلى الشارع والحارات والأزقة كواحدة من نتائج ثورة 19، فقد خرجت المرأة فى أول مظاهرة تطالب بالاستقلال. تأسيس بنك مصر برئاسة طلعت حرب، وهو أول بنك برأسمال مصرى 1920.. حرية صحافة غير مسبوقة.. صدور أول دستور مصرى.. أول بث للإذاعة المحلية عام 1923.. افتتاح فرقة رمسيس لصاحبها يوسف وهبى.. نهضة موسيقية مذهلة على يد سيد درويش.. إجراء أول انتخابات برلمانية غير مزورة عام 1924 «سقط فيها وزير الداخلية نفسه يحيى باشا إبراهيم الذى أشرف على إجرائها».. تحويل الجامعة المصرية الأهلية إلى جامعة رسمية تتبع وزارة المعارف وتغيير اسمها إلى جامعة فؤاد الأول- جامعة القاهرة الآن- عام 1925.. إقامة تمثال نهضة مصر بوصفه تعبيرًا عن حلم الشعب فى الانعتاق والتطور عام 1928. 
 
احمد-رامى
احمد رامى
 
كان المجتمع إذن على بداية الطريق للحرية والديمقراطية والنهضة والانعتاق، عندما جاءت أم كلثوم إلى القاهرة عام 1923 لتقتحم عالم الغناء بقوة لا مثيل لها، بعد أن تهيأت أجواء العاصمة المصرية لاستقبالها، وقد التف حولها ودعم موهبتها الفذة كوكبة من الرجال المتميزين، أو كما يقول إلياس سحاب فى كتابه «أم كلثوم.. الجزء الخاص بسيرتها» من الموسوعة التى أصدرها مع شقيقه فيكتور: «إن ثلاث شخصيات قاهرية وضعها القدر فى طريق أم كلثوم لتلعب أدوارًا متكاملة، ساهمت كل شخصية منها بنسبة ما فى إيجاد القاعدة الصلبة التى انطلقت منها أم كلثوم فى طريق التحول من منشدة ابتهالات دينية فى أرياف الوجه البحرى إلى سيدة الغناء العربى النسائى الكلاسيكى على امتداد القرن العشرين.. هذه الشخصيات الثلاث هى على التوالى الشيخ مصطفى عبدالرازق والشيخ أبوالعلا محمد والشاعر أحمد رامى».
 
لقد لعب هؤلاء الرجال الثلاثة أدوارًا بالغة الأهمية فى صقل موهبة الفتاة الريفية وترسيخ إحساسها بذاتها وموهبتها، علاوة على الترويج لها فى المحافل والصالونات الاجتماعية المختلفة لما يتمتعون به من حضور قوى فى القاهرة. 
 
لكن كان اللافت انتباه الشيخ الأزهرى مصطفى عبدالرازق وانتصاره وتبنيه لهذا الصوت الوافد وانحيازه لأم كلثوم وهو ما يعد أيضًا من تجليات ثورة 1919، ذلك أن هذا الشيخ الجليل كان أزهرى النشأة والتكوين الفكرى.
 
وهنا نستطيع القول بأنه برغم الموهبة العظيمة لأم كلثوم، فلم يكن باستطاعتها البلوغ للمجد إلا بمعاونة الحظ والظروف بالطبع، وقد منحتها المقادير نعمة الالتقاء برجل مستنير وفر لها الرعاية والحماية وعزز عبقريتها بالتشجيع المستمر. إنه الشيخ مصطفى عبدالرازق الذى استقبل بحفاوة الفتاة المرتبكة التى هبطت القاهرة قادمة من الريف فى عام 1923 يحدوها أمل فى أن تحقق ما تصبو إليه فى عاصمة الفن.
 
هذا الشيخ الجليل تربى على حب الجمال، فكتب الشعر وهو ما زال طالبًا بالأزهر، فلما أقام فى باريس عشق الرسم والنحت والموسيقى والمسرح والغناء، ولم يجد أى تناقض بين الإسلام الداعى إلى التعامل بالتى هى أحسن وبين الفنون التى تهذب الذوق وترقق المشاعر، فأصدر كتابه الأول بعنوان «مذكرات مسافر» عن مشاهداته فى باريس وانطباعاته عنها، وكتاب «صفحات من سفر الحياة». وهكذا حين وطأت أم كلثوم وأسرتها أرض القاهرة كان الشيخ مصطفى يلقن الفلسفة الإسلامية لطلابه بالجامعة فى الصباح، وينصت إلى الغناء الراقى فى المساء.
 
على الفور انتبه الشيخ المستنير إلى الكنز المخبوء فى حنجرة الفتاة الريفية، فشجع والدها على أن يقطن وأسرته بجوار قصره فى عابدين، وظل يتردد على حفلاتها مشجعًا ومعجبًا بفطرية وتميز الصوت وحلاوته، وحين تعرضت أم كلثوم لمحنة كادت تطيح بها، إذ نشرت مجلة المسرح عام 1926 خبرًا كاذبًا فحواه أن أم كلثوم رفعت دعوى قضائية على شاب من قريتها غرر بها ورفض أن يتزوجها، وتصدى لها الشيخ على عبدالرازق بقوة وكتب عدة مقالات فى جريدة «السياسة» دفاعًا عن المطربة الناشئة بعد أن فتح أبواب قصره لأم كلثوم وأسرتها وشملهم برعايته وحنانه كما جاء فى كتاب «أم كلثوم/ السيرة» للناقد والمؤرخ اللبنانى إلياس سحاب.
 
نأتى هنا إلى أمر لافت للغاية لحظة ظهور أم كلثوم، فقد أحدث الظهور المدوّى لكوكب الشرق أم كلثوم انقلابًا كبيرًا فى خريطة الغناء فى مصر بعد ثورة 1919 وتحديدًا فى عام 1923. 
 
فلأول مرة نعرف أنه كانت هناك مكاتب ومديرون لشركات الأسطوانات العالمية الكبرى فى الشرق وتحديدا فى القاهرة.. تخيلوا.. مراسل فنى وليس مراسلا عسكريا أو سياسيا. 
 
صوت أم كلثوم لفت الانتباه إليها إلى حد التنافس على احتكار الصوت الجديد، ويكشف تقرير كنت قد حصلت عليه فى بداية الألفية الثالثة من شركة جرامفون الإنجليزية فى ذكرى رحيل أم كلثوم الـ25 كتبه شخص اسمه «فوجل» كان يعمل مديرا لمكتب شركة جرامفون الإنجليزية فى القاهرة إلى مسؤولى الشركة الأم فى لندن يؤكد المعنى نفسه قائلاً بالنص فى تقرير عاجل للعاصمة البريطانية جاء فيه: «لقد حدث تغيير هائل فى تذوق الموسيقى هنا- يقصد القاهرة- فباستثناء كبار السن الذين لا يزالون يستمتعون بالأغانى الكلاسيكية للشيخ يوسف المنيلاوى والشيخ صالح عبد الحى، فإن الجيل الجديد يطلب بشكل حصرى الأغانى الحديثة».
 
كان الانتشار الناجح للجرامفون واحدًا من قصص التحولات العظيمة فى انتشار الغناء والموسيقى فى العالم ومصر بالتأكيد، فمع حلول عام 1904 كانت معظم المناطق فى العالم قد عرفت ظاهرة الأسطوانات، إذ تأسست عدة شركات تجارية تنافست للحصول على نصيب من هذه التجارة الجديدة.
 
وكانت شركة لندن للجراموفون واحدة من أوائل وأنجح الشركات التى توسعت سريعًا عبر أشخاص تعول عليهم فى إدارة فروعها فى مناطق عبر البحار.
 
وكانت نوعية الناس الذين تبحث عنهم من أمثال «كارل فريدريك فوجل» الألمانى المولد وصاحب أحد محلات المعدات فى الإسكندرية، ومنذ العام 1905 وبعد تأسيس جرامفون بعام واحد أصبح فوجل مديرًا لمكتب الشركة الإنجليزية فى القاهرة، ويمثل وكيل بضائعها فى مصر وسوريا، وبعدها بسنوات قليلة وتحديدًا فى عام 1913 طلب فوجل توسيع العلاقات التجارية للشركة فى المنطقة لتشمل الحبشة «إثيوبيا حاليًا» واليونان والإمبراطورية العثمانية وفلسطين والسودان، وبرغم أن التوسع فى النشاط كان يعتبر مغامرة، لكن فوجل خاطب الشركة لطمأنتها قائلا: «سوف تتأكد الشركة من حسن العمل فى تلك المناطق ومن أنها فى أيدى رجل نشيط ومخلص- فى الإشارة لنفسه- وسوف أضع كل مستقبلى فى هذا العمل، ويمكن للشركة أن تكون على يقين من تحقيق الأرباح ومن أنها وضعت ثقتها فى المكان الصحيح».
 
الشيخ-مصطفى-عبد-الرازق
الشيخ مصطفى عبدالرازق
 
لكن لسوء حظ «فوجل» اشتعلت الحرب العالمية الأولى «1914 - 1918» وعمّت الفوضى فى المنطقة، الأمر الذى قلل بشكل كبير من نشاطات فوجل وأحبط خططه فى توسيع شركة جرامفون، إلا أن أحد مديرى جرامفون ويدعى آرثر كلارك نصح المسؤولين باستمرار فوجل الذى رأى أنه تمكن من تجاوز الأزمة المالية. بالفعل اقتنعت الشركة بكلام كلارك وهو ما شجع فوجل على معاودة المغامرة بعد ظهور شركات أسطوانات منافسة جديدة مثل بيدافون وأوديون وبوليفون، وكذلك المستوردون غير القانونيين الذين يستوردون مواد رخيصة سيئة الجودة، وأدرك أنه بحاجة إلى شىء ما ليحصن أمواله مما يجعله متفوقا على منافسيه.
 
طموح فوجل تلاقى مع ظهور أم كلثوم وهنا تمكن من إنجاز أول تسجيلات لها عام 1926 بل وطلب بعد عامين من الشركة الأم ضرورة الحصول على فرصة لضمان احتكار صوت أم كلثوم لمدة عامين أو ثلاثة.
 
آمن فوجل بالصوت الجديد الذى أحدث تغييرا هائلا فى التذوق الموسيقى فى الشرق كله وليس فى مصر فحسب، حيث إن ثورة 1919 أحدثت تحولا عظيمًا فى الذوق الاجتماعى، ولذلك فالمستقبل ليس لأساطين الغناء القديم قبل الثورة بل لما هو آت. وأرسل فوجل للشركة تقريرًا يتباهى فيه بما حققه من إنجاز بالتعاقد مع أم كلثوم قائلا: «إن شهرة هذه المغنية تتنامى يوميًا وبلغت حتى القسطنطينية والعراق، وإن الأسطوانات التى سجلناها فى مايو الماضى 1928 ذات أداء رائع للصوت الجميل لهذه الفنانة. إن محلاتى فى القاهرة والإسكندرية تتلقى استفسارات يومية عن أسطواناتها، والموزعون فى فلسطين وسوريا يتطلعون بشوق لعرضها بالسرعة الممكنة».
 
وأبلغ فوجل لندن أن هناك محاولات من الشركات المنافسة مثل أوديون وباتى وكولومبيا «اندمجت فى جراموفون فيما بعد» لاحتكار هذه الفنانة، وأن أوديون مستعدة لدفع مبلغ يصل إلى 100 جنيه للأسطوانة الواحدة!!
 
فى أجواء المنافسة المشتعلة هذه نجحت شركة أوديون فى إغراء أم كلثوم لمدة عام واحد - 1926 - عادت بعدها إلى فوجل وجراموفون بعد ذلك وانتعشت بعدها مبيعات الشركة من أسطوانات كوكب الشرق. وفى مارس 27 نجحت شركة جراموفون بالإسكندرية فى توقيع عقد جديد وحصرى مع أم كلثوم يضمن لها 1600 جنيه إسترلينى فى السنة، كما كان يجرى توزيع وعرض أسطواناتها للبيع فى أمريكا الشمالية من قبل شركة فيكتور.
 
مع تزايد شهرة أم كلثوم بسرعة الصاروخ، استثمر فوجل هذه الشهرة فى عمل ملاحق وكتالوجات خاصة بشكل حصرى لتسجيلات أم كلثوم تحتوى على قوائم كاملة بالأسطوانات، إلى جانب بعض القصائد الغنائية وصورة شخصية للنجمة الجديدة، فضلا عن بعض كلمات قليلة كتبتها أم كلثوم نفسها.
 
كان تأثير موسيقى أم كلثوم على تجارة الأسطوانات فى مصر هائلا، حيث حققت ارتفاعا لم يكن يتصوره أحد، ففى السنة السابقة على أول تسجيلات أم كلثوم بلغت أرقام مبيعات أحد العملاء فى فلسطين 1720 جنيها إسترلينيا، وفى السنة التالية قفزت إلى 5133 جنيها.
فى فبراير 1929 توفى كارل فوجل إثر نوبة قلبية ووافقت الشركة الأم على استمرار أبنائه فى إدارة العمل بالإسكندرية. وفى مايو من السنة نفسها وصل إدوارد فاولر أحد أشهر خبراء التسجيلات المهرة فى الشركة لتولى القيام بسلسلة جديدة من التسجيلات. وظلت أسطوانات أم كلثوم فى الكتالوجات طوال حقبة الأسطوانات التى تدور بسرعة 78 دورة فى الدقيقة حتى أواخر الخمسينيات.
 
فى منتصف التسعينيات وفى ذكرى وفاة أم كلثوم أنتجت الشركة نسخة رقمية من الأغانى الأصلية من أرشيف جراموفون التى أصبح اسمها الآن «EMI» وتتضمن هذه الأغانى: «تشوف أمورى، الصب تفضحه عيونه، صدق وحبك، خيالك فى المنام، يا آسى الحى، إن كنت أسامح».
 
كانت جرامفون من خلال إصدارها تعيد التذكير بالمعجزة الفنية التى ساهمت فى عصر النهضة المصرية بصوتها منذ عام 23 وحتى عام 75 وكانت إحدى الظواهر المعبرة عن نهوض مجتمع بكل طوائفه وفى كل مجالاته.
 
جرامفون1
جرامفون1

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة