عادل السنهورى

هل يأتي الدور على "جاردن سيتي" بعد القاهرة الخديوية...؟

الثلاثاء، 08 ديسمبر 2020 01:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هذا السؤال أتوجه به الى الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء والذي يقود حاليا بتوجيهات القيادة السياسية " ثورة تطوير" شاملة للقاهرة التراثية والآثرية من أجل استعادة رونقها وجمالها وبهاءها الذي عبثت به طوال الخمسين عاما الماضية معاول الفوضى والعشوائية والإهمال.
 
فالقاهرة الخديوية تستعيد شبابها بعد 150 عاما على انشاءها في منطقة وسط البلد وحتى ماسبيرو، ومصر المملوكية تزيل عن وجهها مساحيق القبح وركام التلوث في سور مجرى العيون وعين الصيرة والقلعة والسيدة عائشة والسيدة زينب بعد تجميلها في الازهر وشارع المعز .
 
فهل حان الدور على " الحى الراقي والارستقراطي"..جاردن سيتى التاريخي الذى تجتمع فيه جماليات المعمار وظل الأشجار وحدائق الزهور وعبق التاريخ القديم والحديث..؟
 
وأظن أنه لا مثيل لهذا الحى البديع في باقى مدن العالم التاريخية فقد ولد من بين الزهور والحدائق ليطل على النيل إطلالة جمال ورقي، في حوار ممتع الكلمة فيه منتقاة، والصوت فيه يعكس رقي المكان والزمان معاً.
 
ولجاردن سيتي، حكاية تروى.فقد كان المكان رحب تختلط فيه برك ماء شاسعة تنبت على ضفافها زهور برية وأشجار عملاقة، أهمها أشجار الكافور التي مازالت موجودة حتى الآن، وربما يرجع اسم الحي «جاردن سيتي» وهو ترجمة للتعبير الانجليزي «المدينة الحديقة» يرجع لنهوض الحي من تحت عباءة مزهرة وأشجار تظلل المكان. وقد كان أول من اكتشف هذا الحي، وطوره نسبياً، السلطان الناصر محمد بن قلاوون «1285 ـ 1341» تاسع سلاطين الدولة المملوكية البحرية، زرع فيه المزيد من الزهور والأشجار وشق الطرق وسط المياه وشيد الحدائق والمتنزهات، وموقع الحي حالياً، هو الموقع نفسه الذي شيد فيه السلطان قلاوون حدائق تعرف باسم «بساتين الخشاب».
 
 وتتوالى قصة الحي الأرقى، والذي بدأ يأخذ ملامحه الحقيقية عندما حكم الخديوي إسماعيل البلاد وهو الحاكم الوحيد من سلالة محمد علي باشا التي تعاقب أبناؤها على حكم البلاد من الذي كانت له هذه الطموحات. وقرر الخديوي إسماعيل بعد عودته من أوروبا تنفيذ مشروعه الكبير وهو بناء «باريس الشرق» أو القاهرة الخديوية، وقع اختياره على منطقة تتوسط القاهرة ـ وسط البلد حالياً ـ وضواحيها مثل حي جاردن سيتي والزمالك وغيرهما. وشيد قصر عابدين رائع المعمار، والذي اتخذه وقتذاك مقراً لحكمه بدلاً من القلعة. وفتح الخديوي إسماعيل حركة معمارية واسعة لتشييد قصور فخمة فاخرة على امتداد كورنيش النيل من أشهرها قصر الدوبارة في جاردن سيتي وقصر فخري باشا والأميرة شويكار أيضاً بحي جاردن سيتي، وجميعها تعكس خليطاً من المعمار الإسلامي بالتمازج مع المعمار الباريسي والايطالي وقتذاك، ومازالت هذه القصور وغيرها من ملامح الحي الأرقى جاردن سيتي موجودة، شاهدة على عصر الارستقراطية والنخبة وزمن جميل، توارى وانسحب في شموخ ليفسح المكان وغيره لأزمنة غاب معها كل ما هو جميل وأصيل وراقٍ ورائع.
 
وترجع خصوصية جاردن سيتي لخصوصية سكانه، فجميعهم من الطبقة الارستقراطية، طبقة النخبة، و"الهوانم" التي شكلت المناخ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي قبل ثورة 1952.
 
حكايات واسرار كثيرة عن قاطنى هذا الحى من الباشوات والبكوات وكبار السياسيين والفنانين والأدباء توارات وراء ما تبقى من أشجار الكافور وحدائق الزهور، التي كانت بذورها تستورد من ايطاليا، مثل «الجارونيا» و«البونسية» و«التوليب» الفرنسي و«عصفور الجنة» من النمسا والتى كانت تظلل بنايات الحى ذات الطوابق الخمسة أو القصور والفيلات المحاطة بأسوار الحديد تتسلق عليه أغصان الياسمين .
 
حول جاردن سيتي وعلى النيل مباشرة شيدت عدة فنادق على الطراز الانجليزي والايطالي، أهمها فندق سميراميس القديم ذو «الشرفة» «التراس» الرخامي الذي  استهوى كبار كتاب هذا الزمان، فرواية «أين عقلي» للكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس كتبها في تراس سميراميس، ويوسف السباعي كتب «نادية» في التراس نفسه على أنغام الفالي والتانجو وعبق الشوكولاته الساخنة والقهوة التركي والسحلب الدمشقي.
 
فندق شبرد- المهجور والمتهدم حاليا- شاهد على عصر متفرد، «أجمل لحظات الراحة النفسية أجدها في شبرد»، هكذا وصفه سفير دولة بلجكيا وقتذاك وكان يحجز لنفسه جناحاً خاصاً طوال العام، وهو الفندق نفسه الذي تميز منذ تشييده وحتى الآن بنزول كبار الرؤساء والملوك فيه من أمثال تشرشل وروزفلت اللذين كانا من أشهر نزلائه.
 
والفندق يطل على النيل مباشرة تعود ملكيته لمستر «صموئيل شبرد» الانجليزي، صاحب شركات «شبرد» ذات السمعة العالمية، ويحتوي الكتاب الذهبي للفندق على توقيع كبار الشخصيات العالمية التي زارت مصر.
 
من أشهر عمارات الحي، عمارة سيف الدين وهي عمارة عملاقة لونها زهري مهيبة المعمار تشبه إلى حد كبير عمارة يعقوبيان، وعمار شويكار التي تم تشييدها بجوار قصر البرنسيس شويكار في شارع معمل السكر بجاردن سيتي، وهي عمارة عملاقة لونها رمادي فاتح تمتاز بالعمدان الكبيرة، تم تصوير العديد من الأفلام المصرية الحديثة فيها، أهمها فيلم «النداهة» ليوسف السباعي، وفيلم أنف وثلاثة عيون لإحسان عبدالقدوس وفيلم «البيه البواب» بطولة الراحل العبقري أحمد زكي.ومن أشهر قصوره، قصر النحاس باشا وقصر فؤاد سراج الدين باشا، كما يضم مجموعة نادرة من القصور و الفيلات ذات التصميم المعماري الفريد والنادر. ومن اشهر سكان حى جاردن سيتى النحاس باشا وفؤاد سراج الدين وتوفيق الحكيم والمخرج محمد كريم وليلى مراد ومحمد التابعى وكامل الشناوى والكثير من مشاهير المجتمع المصرى.
 
من يتجول في شوارعه الدائرية الآن ويشاهد الزحام الذى تسلل اليه في غفلة من الزمن سوف يملأه الحزن والآسى على الحال الذى بلغه الحى الراقى بعد أن ازدحم بالسفارات- 8 سفارات- والبنوك-11 بنكا- والمدارس -3 مدارس – علاوة على بعض الهيئات والمؤسسات الحكومية التابعة لبعض الوزارات.. وازدحمت شوارع الحى بالفوضى والزحام والعشوائية بعد أن كان مثالا للرقى والجمال والتحضر.
 
التطوير الذى ينتظره الحى ليس بعيدا عن مشروع تطوير القاهرة الخديوية فهو جزء ورافد أصيل من مشروع الخديوى إسماعيل وصورة معبرة عن القاهرة الجميلة التي تستعيد شبابها الآن .









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة