د./ داليا مجدى عبد الغنى: شكرًا

الجمعة، 30 أغسطس 2019 04:16 م
د./ داليا مجدى عبد الغنى: شكرًا داليا مجدى عبد الغنى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 

تذكرنى أغنية "شكرًا"، لأمير الغناء العربى "هانى شاكر" بأحد المواقف التى حدثت لأحد الأشخاص، والتى مطلعها "شكرًا، ألف شكر لناس كتير ضحيت عشانها، شكرًا، للحياة اللى أنا اتعلمت منها، شكرًا، طيبتى كانت غلطة، وأنا بدفع تمنها، شكرًا، كنت طيب زى ما قال الكتاب، شكرًا، والحقيقية طيبتى مكانتش فى مكانها".

 

فكم من شخص عاش هذا الشعور، وقال كلمة "شكرًا"، كنوع من التهكم على ما حدث له، ولكن الموقف الذى يحضرنى، يخص إحدى الشخصيات التى كانت تربطها أقوى العلاقات الإنسانية، بشخصية أخرى، ورغم كل ما تلقته من صدمات غير متوقعة من تلك الشخصية، إلا أنها قررت أن تفتح قلبها، وتبدأ صفحة جديدة معها، وكانت الأمور شبه تسير على ما يُرام، إلى أن دعتها على الطعام، فى أحد الأيام، فما كان من الشخصية الأخرى إلا أن رفضت بشدة، واستثنت هذا الأمر من برنامج اليوم بشكل مُثير للاستغراب، وكأن هذه الدعوة، الهدف منها شرائها، أو السيطرة عليها، أو رشوتها، فى حين أنه لا يُوجد أى سبب يدفع الشخص، صاحب الدعوة، لكى يُفكر بهذا الأسلوب، فهذه ليست أخلاقه، علاوة على أن مكانة الاثنين أكبر من هذا التفكير، وبينهما باع من العِشْرة والعلاقة الوطيدة والاحترام المتبادل، وكل منهما يعرف قَدْر الآخر، ويُكنّ له منتهى الاحترام والتقدير، علاوة على الثقة المُتبادلة واللامُتناهية، فكل منهما كالكتاب المفتوح أمام الآخر، فكانت صدمة صاحب الدعوة شديدة، فلقد شعر بالإهانة البالغة، فما أصعب من أن تقول لشخص لن أُجالسك، أو لن أجتمع معك على طعام، أو غيرها من الاشتراطات الجارحة، التى تُشعر الإنسان بأنه مُتدنى، ولا يستحق أن ينال هذا الشرف، أو كأنه ذو نوايا خبيثة، باطنة بداخله، وهكذا ابتعد وانسحب فى هدوء، والشخص الآخر لم يُحاول أن يعتذر أو يعدل عن رأيه؛ حتى يرد للأول اعتباره، ولكن الظروف جمعتهما مرة أخرى، عندما نفذ صاحب الدعوة أحد الأمور التى كان الآخر قد أوكله بها قبل الخلاف، فحاول الأخير الاتصال به لتقديم الشكر، وعندما لم يجد ردًا على اتصاله، ظل يُرسل رسائل مملوءة بالإهانات والتجريح، الذى وصل إلى حد السبّ، علاوة على الاتهام بالنرجسية والغُرور، الذى يصل إلى حد الموت، وأخيرًا، وضعه على الحظر، فى حين أن الشخص الأول كان مريضًا فى تلك الفترة، ومُلازمًا للفراش، وكانت لديه العديد من المشاكل والأزمات، فما كان منه عندما قرأ تلك الرسائل، التى استمرت على مدار يومين متتاليين، إلا أن آثر الصمت، والحُزن كان يعتصر قلبه، وهو يتساءل، هل هذا هو ثمن اهتمامي، ومُتابعتى لشئونه بعد تجريحه لي، ورغم وجود خلافات بيننا، هل هذا جزاء إخلاصى؟!

 

وهنا تذكر إهانة أحد ذوى هذا الشخص له، فى يوم من الأيام، والتى وصلت إلى حد القذف، لكنه حينها أيضًا آثر الصمت احترامًا له، ويتكرر الموقف مرة أخرى، وهو الذى يُهينه ويسبه فى الرسائل، ولكنه لم يرد أيضًا؛ احترامًا للعلاقة التى كانت تجمعهما، وأنه يحترم نفسه، ويُحافظ على مكانته، فلم يكن صمته فى الحالتين ضعفًا، ولكنه كان تقديرًا لشخص، كان يظنه يُكن له ذات الاحترام.

 

والغريب أن الشخص الذى تسبب فى كل تلك الآلام، دائمُا ما يُردد كلمة "شكرًا"، كنوع من أنواع التهكم، حتى لو كان هو المُخطئ، فهو اعتاد على قولها وإرسالها فى رسائله، فهو يُؤْثرها على كلمات الاعتذار؛ لأنه يعتبر الاعتذار ضعفًا.

 

لذا ذكرنى هذا الموقف بالأغنية التى استهللت بها مقالتى، فأحيانًا لا يملك الإنسان أن يرد على كل من تسببوا فى إيذائه، سوى بكلمة "شكرًا"، ولكن، حتى هذه الكلمة لم يَقُلْها الشخص صاحب الموقف، ولكنه آثر الصمت.

 

لكننى أنصح كل إنسان نقى، شعر بالألم؛ بسبب عدم تقدير الآخرين له، وإيذائهم لمشاعره، ورفضه رد الإساءة بالإساءة، أن يقول "شكرًا"، ولكن ليس لمن أضروه وجرحوه، ولا للحياة، ولا حتى لنفسه، بل يقولها للحق عز وجل، نعم، يقول "شكرًا" على أنك نورت لى بصيرتي، شكرًا على أنك خلقتنى طيب القلب، ونقى السريرة، شكرًا على نعمة الإخلاص، التى وهبتنى إياها، شكرًا،  قُدرتى على التسامح والعطاء، بلا حدود، شكرًا على قدرتى على الاعتذار، عندما أخطئ،  شكرًا على  قدرتى على إسعاد من حولي، شكرًا على أنك عوضتنى بناسٍ تُحبنى من قلبها، وبصدق، شكرًا لأننى سأترك هذه الحياة، دون أن أدع فى قلب أى إنسان ذرة كُره لي، شكرًا لأننى سأُقابل وجهك الكريم، وأنا أدعو لكل من عرفتهم، حتى من تسببوا فى إيلامى وجراحي، ألف شكر لك، يا رب العالمين، يا أرحم الراحمين.

 

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة