سهيلة فوزى

زيارة ثانية..

الجمعة، 19 أبريل 2019 01:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

صباح الخير..

 أزعجك ضجيجنا بالطبع. تلك الصبارة العنيدة، هل تتذكرها؟ أخبرتك عنها فى المرة السابقة. نعم، تلك الصبارة الصغيرة التى غرستها هنا إلى جوارك على اليمين؛ لتؤنسك فى غيابى.

 

أمضيت الساعة الأولى لى هنا أحاول الاعتناء بها، وبصغيراتها، لكنها تأبى الاهتمام بإصرار. تلك الصبارة العنيدة جادلتنى طويلا، حتى علا صمتها على صخب جدالنا الطويل، واستسلمت رغما عنها لمشيئتى.

 

حاورتها، لكننى لم أُفلح فى إقناعها أن تلك الصبارات الصغيرة التى نبتت حولها لا بد لها من الانفصال. يحق لها أن تختبر الحياة بمفردها دون وصاية، وأن تكون لكل منها عائلة جديدة. بكت كثيرا، وقالت والدموع تُطوق كلماتها: "ما زالت صغيرة ولن تحتمل مواجهة الحياة بمفردها".

 

 لن أطيل عليك. فى النهاية لم تُثننى دموعها عن قرارى - أظن أننى أصبحت قاسية القلب قليلا منذ رحيلك - انتزعت الصبارات الصغيرة من حضن أمها، ثم غرست كل واحدة منها بعيدا. اطمئن، لم أُبعدها كثيرا، عدة سنتيمترات فقط، فما زالت الصبارة الأم قادرة على ضمها بين جفنيها؛ ليطمئن قلبها. تلك الصبارة العنيدة لم تكن لتقبل إزاحة أبعد من ذلك!

 

دعنا منها الآن. لم آت اليوم لأُضيع الوقت فى الحديث عن تلك الصبارة وصغيراتها المدللات. واطمئن، لم آتِ اليوم لأشكو إليك آثار رحيلك عنى كعادتى، فلا جدوى من الشكوى. جئت أحمل سؤالا عن تلك الطمأنينة التى أضنانى البحث عنها منذ غادرت.. نعم، أُدرك بالطبع أنه لا لوم عليك، أعلم جيدا أنها تسلّلت سرًّا إلى حقيبتك عندما رحلت، ورغم أنك حملت معك أشياء كثيرة وقتها، لكن تلك الطمأنينة - التى هربت خلسة معك - كانت الفقد الأعظم بالنسبة لى.

 

جئت أسألك البحث عنها فى حقيبة سفرك الصغيرة.. نعم، تلك الحقيبة السوداء التى اعتدت السفر بها وحيدا. ابحث جيدا، وأخبرنى هل ما زالت الطمأنينة ترقد بوداعة داخها، أم أنك أطلقت سراحها. عفوا يا أبى، لا أقصد أنك تمنعها عنى برغبتك، فقد خاننى التعبير - تعرف أننى تركت طريق الكتابة قبل أن أبدأه - أدرك جيدا أن الطمأنينة الغائبة فضلّت الموت إلى جوارك عن الحياة معى، ولا دخل لك بالأمر، لكن رجاءً فتِّش لى عنها جيدا، وأخبرنى إذا كانت معك

 

أظنها تسلّلت إلى الخارج، ربما نال منها الضجر، أو آلمتها وحشةُ القبر؛ ففرّت. أشعر بها حولى منذ أيام، فجئت إليك لتخبرنى، هل عادت الطمأنينة التى افتقدتها منذ رحيلك إلىّ من جديد؟ هل حملت لى تلك الروح التى تحلق حولى اليوم الطمأنينة التى طالما فتّشت عنها طويلا دون جدوى، حتى توقفت عن البحث منذ تيقنت أنها فرّت معك إلى الأبد؟

 

ماذا تقول؟! لم تجدها؟ رحلت؟! تأكّد ثانية، رجاء لا تقل لى "حاضر" لتُريحنى فقط كما اعتدت. هل بحثت عنها جيدا؟ فتّش مجددا، ليست هناك! نعم، أسمعك جيدا، فرت من تلك الحقيبة!

 

إذن هى الطمأنينة التى طالما بحثت عنها، قد عادت إلى الحياة من جديد مع تلك الروح الوافدة.

نعم، سأراك قريبا فى الزيارة المقبلة؛ لأحكى لك عن تلك الروح التى حملت أمانتك إلىَّ.

 

اطمئن، فقد أوصيت الصبارة العنيدة وصغيراتها بك خيرا فى غيابى...

 

https://www.youm7.com/story/2018/7/13/%D8%B2%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A9/3871598

 









الموضوعات المتعلقة

زيارة...

الجمعة، 13 يوليو 2018 09:29 م

مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة