سامح جويدة

ارحموا أطباء مصر حتى يرحموكم

الأربعاء، 20 فبراير 2019 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من الغريب أن نكون أكثر سكان الكرة الأرضية مرضا ونتعامل مع أطبائنا بهذه العجرفة واللامبالاة، ونتركهم عرضة لهذا الكم من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والقانونية رغم حاجتنا الماسة لجهودهم المخلصة وعلومهم القيمة، لذلك كان من الطبيعى أن يهاجر أكثر من نصف أطباء مصر للعمل فى الخارج.. وأن ينخفض عدد الراغبين فى دراسة هذه العلوم الإنسانية المقدسة، خاصة فى الأقسام الصعبة مثل الجراحة والتخدير والرعاية المركزة، ناهيك عن صعوبتها وحجم الضغوط النفسية التى يواجهها المتخصصون فيها، إلا أن هذه التخصصات أصبحت لها خطورة جنائية!! 
 
والنتيجة أن هناك العشرات من المستشفيات العامة والخاصة بلا أطباء ولم يتم افتتاحها بسبب العجز عن توفير التخصصات الطبية اللازمة لتشغيلها ولممارستها لمهامها الصحية، وأصبح من الطبيعى أن تعمل أغلب المستشفيات بنصف طاقتها بسبب قلة الأطباء أو ندرة الكفاءات فى العديد من التخصصات.. وكلنا نعلم مثلا صعوبة الحصول على سرير رعاية مركزة فى كل أنحاء مصر حتى أن مئات الحالات تتدهور حالتهم الصحية يوميا بسبب قلة عدد أسرة العناية المركزة، لتكتشف بعد ذلك أن العديد من المستشفيات تعمل بأقل من نصف طاقتها رغم وجود المعدات والتجهيزات اللازمة بسبب العجز عن توفير أطباء رعاية مركزة ونفس المشكلة فى الطوارئ ولا يخفى على عاقل أهمية الطوارئ، وحاجة المصابين أو المرضى لها، وأهمية انتشارها جغرافيا لتلبى احتياجات الناس. 
 
نحن أمام مشكلة حقيقية وكارثة متوقعة لو استمر بنا الحال على هذا المنوال.. كيف يقبل العقل أن نضرب الأطباء فى المستشفيات أو نشتمهم بلا رحمة لمجرد أننا نشك فى قدراتهم.. ولماذا لا يكون هناك معايير قانونية موحدة بالتنسيق مع وزارة الصحة ونقابة الأطباء، لتحديد مسؤوليات الطبيب بين الخطأ الطبى والإهمال الجسيم والقضاء والقدر؟؟.. وما الذى يدعو الأطباء للاستمرار فى العمل فى مصر إذا كانت معاملتهم تتم بهذا الشكل ويحصلون على رواتب هزيلة، خاصة لو عملوا بمستشفيات وزارة الصحة أو وحداتها الصحية.. كيف نناقشهم فى بدل العدوى ونحن شعب يغرق فى الأوبئة والفيروسات المعدية ثم نخرج بنكات عن زيادته باثنين جنيه ثمن حبتين إسبرين؟.. كيف لا نوفر لهم أماكن لائقة للسكن والإقامة وهم مسؤولون عن حياة الآلاف ولو حتى من باب الذوق!!. وأى رسالة سامية ندعوهم إليها بعد كل هذه الضغوط والاستباحة المعنوية والمادية التى لا يعرفها الأطباء فى كل دول العالم المتحضر أو المتخلف.. حتى الدول الأفريقية المعدمة تعرف قيمة الأطباء وتحافظ على انتمائهم المجتمعى بتقديم المزيد من التقدير المعنوى والمالى والاجتماعى.. أطباؤنا يهاجرون الآن إلى دول أفريقيا لأنهم يجدون فيها فرصا أكبر وأضمن من مصر.. يجدون احتراما أكثر ورواتب أكبر ومعاملة أفضل.. كلية الطب لم تعد حلم المتفوقين النابهين، لأن الطبيب فقد قامته فى المجتمع لم يعد مسار فخر ورمزا للاجتهاد والتضحية، بل أصبح مهددا بأن يشتم ويهان لمجرد شك، وأن يعيش محروما تحت خط الفقر. 
 
عودة احترام الطبيب مسؤوليتنا جميعا شعب ودولة، وإذا لم ندرك ذلك وتأخرنا فيه فنحن سنواجه أزمة مخيفة وخللا رهيبا فى المنظومة الصحية وحياة المرضى والمصابين. 
 
والحلول المقترحة بفتح المزيد من الكليات الطبية الخاصة لن يفيد طالما لم يستعيد الطبيب مكانته وتقديره.. وإذا لم توفر الدولة للأطباء قوانين تحميهم ورواتب تكفيهم وأماكن معيشة تليق بهم ومعاشات تعوض أبناءهم وبدلات مالية تكافئ تضحياتهم فسنضطر قريبا لاستيراد أطباء من الخارج ومعهم مترجمون!!.. وإذا لم يتوقف الإعلام عن الزج بأسماء الأطباء فى صفحات وأخبار الحوادث والتسرع بتوجيه الاتهامات لهم فى الفاضى والمليان وتشويه صورتهم أمام الرأى العام، إما بالإهمال أو بالاستغلال أو بالنصب والفساد فلن نجد شابا متفوقا يجد فى أطباء مصر الرمز والقدوة، ويشعر بأهمية الانتماء لهذه الكوكبة المحترمة والمهمة من البشر.. وإذا لم يرحم الناس الأطباء واستمروا فى التعامل معهم بهذه الهمجية والوحشية لإخراج شحنة عضب أو حزن على مريض أو شك فى صحة العلاج فلن يجدوا من يرحمهم حين يمرضون وسيموت الآلاف وهم ملقون أمام مستشفيات بلا أطباء.. الأرقام الرسمية تشير الآن إلى أن هناك حوالى طبيبين لكل ألف مصرى فلا تصرخوا حينما لا تجدوا منهم أحدا.
 
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة