مقايضة جونسون.. كيف يحاول رئيس الوزراء البريطانى إحياء كابوس تفكك الناتو؟.. زيارة بوريس لجنوده بأستونيا تلويح باحتمالية تقليص وجود بلاده العسكرى بأوروبا الشرقية..ومحاولة للاحتفاظ بالمزايا الأوروبية بعد "بريكست"

الإثنين، 23 ديسمبر 2019 08:00 م
مقايضة جونسون.. كيف يحاول رئيس الوزراء البريطانى إحياء كابوس تفكك الناتو؟.. زيارة بوريس لجنوده بأستونيا تلويح باحتمالية تقليص وجود بلاده العسكرى بأوروبا الشرقية..ومحاولة للاحتفاظ بالمزايا الأوروبية بعد "بريكست" رئيس الوزراء البريطانى
تحليل يكتبه: بيشوى رمزى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

زيارة مفاجئة تتزامن مع الاحتفال بأعياد الكريسماس، قام بها رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، إلى القوات البريطانية المتواجدة فى أستونيا، تحمل طابعا احتفاليا، ليس فقط بعيد الميلاد، الذى يحتفل به الغرب فى هذه الأيام، وإنما أيضا بالانتصار المدوى الذى حققه حزب المحافظين، الذى يترأسه جونسون، ليسيطر تماما على مقاليد السلطة فى بلاده، على حساب الخصوم، وعلى رأسهم حزب العمال، مما يفتح الباب على مصراعيه، أمام الحكومة البريطانية الحالية، لتطبيق رؤيتها فى القضايا الشائكة المثارة، وعلى رأسها مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبى، والتى تتبنى فيها نهجا حادا، يؤدى إلى "بريكست" حقيقى، بعيدا عما يمكننا تسميته بسياسة "المهادنة"، التى سعت إليها الحكومة السابقة برئاسة تيريزا ماى، والتى وصفها مناوئو أوروبا الموحدة، بأنها محاولة للالتفاف على نتائج الاستفتاء الذى صوت فيه البريطانيون لصالح الطلاق من القارة العجوز، فى عام 2016.

زيارة جونسون للقوات البريطانية المرابطة فى أستونيا، والذى تعد أكبر تمركز عسكرى بريطانى بالخارج، تعد بمثابة تكرارا لزيارات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى القوات الأمريكية خارج الحدود، والتى حملت وعودا، بعضها ضمنى وبعضها الأخر صريح، بالانسحاب، أو على الأقل بتخفيف أعدادها، خاصة فى ضوء تزامنها مع المناسبات الاحتفالية من جانب، أو فيما تضمنته من صورة استثنائية لأكبر مسئول بالدولة، على غرار حرص كلا منهما على تقديم الطعام بنفسه للجنود، أو التصريحات التى تحمل قدرا كبيرا من التعاطف والتضامن، والإشادة بالدور الكبير الذى يقومون به فى سبيل حماية الوطن على حساب أسرهم وعائلاتهم، وهو ما بدا فى تصريحات رئيس الوزراء البريطانى خلال الزيارة، والذى أكد على أهمية الدور الكبير لجنوده فى أستونيا، حتى يحتفل المواطنون البريطانيون بالكريسماس فى هدوء وأمن واطمئنان.

مقايضة جونسون.. القوات البريطانية مقابل المزايا الأوروبية

وهنا يثور التساؤل حول ما إذا كانت الزيارة التى قام بها جونسون إلى القاعدة العسكرية البريطانية فى أوروبا الشرقية، تحمل إشارة حول احتمالات قيام لندن بالتلويح بورقة "الجنود" فى إطار صراعها مع القارة العجوز، وذلك قبل أسابيع قليلة من الخروج النهائى، من التكتل القارى، وهو الأمر الذى يمثل انعكاسا صريحا لامتلاك بريطانيا لأوراق جديدة يمكنها من خلالها المناورة فى إطار ما يمكننا تسميته بـ"لعبة القط والفأر" مع الاتحاد الأوروبى، والذى يركز على مسألة التعاملات التجارية والاقتصادية مع الحكومة البريطانية، فى مرحلة ما بعد "بريكست"، وهو ما يمثل تهديدا صريحا للاقتصاد البريطانى فى المرحلة المقبلة.

جونسون يقدم الطعام لجنوده
جونسون يقدم الطعام لجنوده على غرار ترامب

ويبدو أن جونسون يحاول مقايضة أوروبا باستخدام الورقة العسكرية، فى ظل رغبة الأخيرة فى حرمان بلاده من كافة المزايا التى طالما تمتعت بها الحكومة البريطانية، إبان وجودها فى عضوية الاتحاد الأوروبى، وبالتالى يبقى الوجود العسكرى البريطانى، والذى يمثل أهمية كبيرة لحماية المنطقة الشرقية، الخاضعة للكيان الأوروبى المشترك، فى ظل تآخمها مع الحدود الروسية، مرهونا بالمقابل الذى سوف تقدمه أوروبا الموحدة، سواء بطريقة مباشرة، كالحصول على مقابل مالى، على غرار الخطاب الذى يتبناه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، مع حلفائه، فيما يسمى "تقاسم التكاليف الدفاعية"، وهى القضية التى تطغى على العلاقات بين الولايات المتحدة، والعديد من حلفائها حول العالم، وآخرهم كوريا الجنوبية، أو بطريقة غير مباشر عبر الحفاظ على بعض المزايا التجارية مع دول أوروبا الأعضاء فى الاتحاد.

ورقة الناتو.. جونسون يكرر محاولة ماى

إلا أن رؤية جونسون ربما لا تقتصر على مقايضة أوروبا الموحدة، وإنما تحمل أبعادا أخرى إضافية، ربما لا تقل أهمية، خاصة فيما يتعلق بمسألة النفوذ البريطانى، عبر "الناتو"، والذى تسعى الحكومة البريطانية إلى استخدامه كبديل للاتحاد الأوروبى، عبر حشد دول الحلفاء فى القارة العجوز، ورائها من خلال التحالف، وهو ما يبدو واضحا فى التصريحات التى أدلى بها رئيس الوزراء البريطانى خلال زيارته للجنود، حيث أكد على أن ما يفعله الجنود البريطانيين خارج الحدود يؤكد الالتزام بمبادئ التحالف، والذى يمثل رمزا تاريخيا لدول المعسكر الغربى، منذ الخمسينات من القرن الماضى، خلال حقبة الحرب الباردة.

بريطانيا استضافت أخر قمم الناتو تزامنا مع عيد ميلاد الحلف السبعين
بريطانيا استضافت أخر قمم الناتو تزامنا مع عيد ميلاد الحلف السبعين

تعظيم دور "الناتو" على حساب أوروبا الموحدة، ليس المحاولة الأولى من نوعها من قبل الحكومة البريطانية، فى السنوات الأخيرة، حيث حاولت رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماى، استخدام النهج نفسه، فى أعقاب محاولة تسميم العميل الروسى المزدوج سيرجى سكريبال، على الأراضى البريطانية، حيث سعت حينها إلى استدعاء ما يمكننا تسميته "الفزاعة" الروسية، لحشد دول أوروبا خلفها على اعتبار أن الحادث يمكن تكراره فى مختلف العواصم الغربية، وبالتالى تبقى الحاجة ملحة للتوحد، وتنحية الخلافات بسبب "بريكست" جانبا، وهو الأمر الذى لم يلقى استجابة كبيرة من قبل قادة الاتحاد الأوروبى، والذين اكتفوا بإجراءات يطغى عليها الطابع الشكلى، بينما تسابقوا بالتزامن مع ذلك على تهنئة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بفوزه فى الانتخابات الرئاسية، فى مارس 2018، فى خطوة تمثل تخليا أوروبيا صريحا عن "الإبن الضال" البريطانى.

كابوس أوروبا.. بريطانيا تعيد المخاوف بشأن مستقبل التحالف

ولكن يبدو أن التطورات الأخيرة، التى توالت فى أعقاب تصريحات الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، حول موت الناتو إكلينيكيا، كانت بمثابة دافع جديد لجونسون لإحياء المحاولة الخجولة التى قامت بها ماى، فى ظل الجدل الذى ثار حول أهمية التحالف، بالنسبة للقارة العجوز، وهو ما عبرت عنه الحكومة الألمانية، بالتأكيد على عدم قدرة أوروبا الغربية على حماية نفسها بدون الناتو، وبالتالى كانت زيارة جونسون لجنوده، بمثابة محاولة أكثر جراة، للضغط على المخاوف الأوروبية من جراء احتمالات تفكك الناتو، إذا ما أقدمت بريطانيا على الانسحاب أو تخفيف وجودها العسكرى فى الجانب الشرقى المتاخم مع روسيا، خاصة وأن بريطانيا تبقى أكثر قوة أوروبية مساهمة بجنودها فى قوات التحالف الغربى.

جانب من زيارة جونسون لقواته فى أستونيا
جانب من زيارة جونسون لقواته فى أستونيا

زيارة جونسون للجنود البريطانيين فى أستونيا، تحمل فى طياتها العديد من الأبعاد، أهمها كيفية صياغة شكل العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبى فى مرحلة ما بعد "بريكست"، فى ظل موقف رئيس الوزراء المنتصر المناوئ للقارة العجوز، بينما يجد دعما قويا من الولايات المتحدة، فى المرحلة الراهنة، فى ظل الرغبة الكبيرة لدى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى تفكيك الاتحاد الأوروبى فى المستقبل القريب، عبر التضييق عليه من جانب، بالإضافة إلى دعم التيارات اليمينية، ذات النزعة الانفصالية عن التكتل القارى، للوصول إلى السلطة فى بلدانهم، من خلال الوعود باتفاقات تجارية يمكنها تعويضهم عن الخسائر التى قد تترتب على تركهم للاتحاد الأوروبى.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة