بعد الانسحاب من سوريا.. كيف وضع الرئيس الأمريكى الداخل أولوية على حساب الخارج؟.. مقامرة ترامب امتداد لصراعه نحو تغيير "نظرية النفوذ" بالقوة العسكرية.. ويسعى لتحويل روسيا من خانة الخصومة إلى الشراكة مع واشنطن

الثلاثاء، 08 أكتوبر 2019 09:20 م
بعد الانسحاب من سوريا.. كيف وضع الرئيس الأمريكى الداخل أولوية على حساب الخارج؟.. مقامرة ترامب امتداد لصراعه نحو تغيير "نظرية النفوذ" بالقوة العسكرية.. ويسعى لتحويل روسيا من خانة الخصومة إلى الشراكة مع واشنطن ترامب - داعش
تحليل يكتبه: بيشوى رمزى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يبدو أن قرار الأتراك بشن هجوم على شمال سوريا، كان بمثابة فرصة للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، لتنفيذ وعدا جديدا سبق وأن قدمه للمواطن الأمريكى عدة مرات، يقوم على تخفيف الوجود العسكرى الأمريكى فى العديد من مناطق العالم، بالإضافة إلى قراره السابق، والذى اتخذه فى ديسمبر الماضى، بالانسحاب من سوريا، فى خطوة أثارت جدلا سواء بين الساسة الأمريكيين، وعلى رأسهم "صقور" الحزب الجمهورى، من جانب، أو بين الحلفاء الأوروبيين، والذين اعتبروا القرار بمثابة انقلابا عليهم، فى ظل تخلى القوات الأمريكية، والتى تمثل حجر الزاوية فى قوات التحالف الدولى، عنهم، من جانب أخر، ليفتح الباب أمام جبهة جديدة من المعارضين سواء فى الداخل الأمريكى، وفى القلب منه من داخل حزبه، أو فى الخارج، فى ظل توتر العلاقة بصورة كبيرة مع الحلفاء الأوروبيين.

وعلى الرغم من أن القرار الأمريكى بالانسحاب من سوريا ليس جديدا، إلا أن توقيته المتزامن مع استهداف تركيا للأكراد، والذين قدموا خدمات جليلة لواشنطن، فى إطار الحرب على تنظيم داعش الإرهابى، بالإضافة إلى التطورات الأخيرة فى الداخل الأمريكى، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومحاولات الخصوم الديمقراطيين، تشويه صورته أمام الرأى العام الأمريكى، يمثل محاولة لكسب أرضية بين الناخبين الأمريكيين، خاصة وأن الولايات المتحدة سبق لها وأن لعبت دورا حاسما فى منع النظام التركى، من اتخاذ أى خطوة من شأنها الاعتداء على الأكراد، ليصبح القرار الأمريكى الأخير مرتبطا إلى حد كبير بالداخل الأمريكى.

مقامرة ترامب.. الداخل الأمريكى أولوية قصوى

ولعل الخطوة الأمريكية الأخيرة تمثل مقامرة جديدة للرئيس ترامب، فى ظل تداعياتها الكبيرة، وعلى رأسها إخلاء الساحة السورية تماما للقوى الروسية المهيمنة على الأرض منذ سنوات، حيث أصبحت موسكو بعد الانسحاب الأمريكى الكامل من الأراضى الروسية، خالية تماما لها، لتفتح الباب أمام مزيد من النفوذ فى المرحلة المقبلة، على حساب الوجود الأمريكى، وهو الأمر الذى ربما يتعارض بصورة كبيرة ليس فقط مع العقيدة التى تبنتها واشنطن لسنوات، ولكن أيضا مع رؤية الحزب الجمهورى، والذى ارتبطت رؤيته للنفوذ الأمريكى، بالقوة العسكرية، وهو ما بدا واضحا فى النهج الذى تبنته الإدارات السابقة.

ترامب وبيلوسى
ترامب وبيلوسى

 

وهنا يمكننا القول بأن القرار الأخير يمثل امتدادا لفكرة الصراع القائم بين ترامب، والتيار التقليدى فى الحزب الجمهورى، والذى بدت ملامحه واضحة فى العديد من المواقف السابقة، وعلى رأسها قراره بالإطاحة بمستشاره للأمن القومى جون بولتون، فى الأسابيع الماضية، بالإضافة إلى كونه يمثل فرصة جديدة لكسب مزيد من النقاط لدى المواطن الأمريكى فى المرحلة المقبلة، على حساب الساسة، سواء من الجمهوريين أو الديمقراطيين، على اعتبار أن قرار الانسحاب من سوريا من شأنه حماية أرواح الجنود الأمريكيين المتواجدين هناك، بالإضافة إلى أنه يوفر مليارات الدولارات تتكبدها الخزانة الأمريكية بسبب الانتشار العسكرى المكثف فى العديد من مناطق العالم.

الحديث عن أرواح الجنود الأمريكيين، بالإضافة إلى التكاليف المالية للوجود الأمريكى فى سوريا، كان محورا لتصريحات ترامب الأخيرة، التى أعقبت قراره بالانسحاب من الأراضى السورية، حيث أكد، على حسابه بموقع التواصل الاجتماعى "تويتر"، صراحة أنه شدد على أردوغان ضرورة عدم التعرض لجندى أمريكى فى سوريا، كما تناول فى تغريدة أخرى أن التكاليف الباهظة التى تتكبدها واشنطن فى الحروب هناك هى السبب الرئيسى وراء قراره.

معضلة النفوذ.. رؤية موسكو تدور فى فلك واشنطن

ولكن يبقى التساؤل حول النفوذ الأمريكى ليس فقط فى سوريا، ولكن أيضا فى منطقة الشرق الأوسط بأسرها، فى المستقبل، خاصة وأن انفراد موسكو بالنفوذ فى سوريا يمثل بادرة أمل قوية لعودة الدور الروسى فى المنطقة، بعد انهياره فعليا منذ ما قبل نهاية الحرب الباردة، والتى أسفرت عن انهيار الاتحاد السوفيتى، فى الوقت الذى كانت فيه المنطقة أحد أهم مصادر التأثير الأمريكى فى العالم لعقود طويلة من الزمن، وذلك بالتزامن مع اتهامات من قبل العديد من الأطراف الفاعلة فى المنطقة لواشنطن بالانحياز، وبالتالى أصبحت لا تثق إلى حد كبير فى نزاهة الدور الأمريكى، وعلى رأسها فلسطين، والتى أعلنت مرارا وتكرارا عدم ثقتها فى الإدارة الحالية، بعد قرار ترامب بضم القدس إلى إسرائيل، بالإضافة إلى التعنت الإيرانى تجاه المطالب الأمريكية، منذ الانسحاب الأمريكى من الاتفاقية النووية الإيرانية.

ترامب وبوتين
ترامب وبوتين

 

يبدو أن مسألة الدور الدولى لواشنطن لا يمثل أولوية كبيرة لإدارة ترامب، فى المرحلة الراهنة، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، حيث أن الناخب الأمريكى لا يضع قضية النفوذ ضمن أولوياته، ولكن بالرغم من ذلك يبقى الدور الروسى المحتمل فى الأزمة لا يبتعد كثيرا عن فلك رؤية ترامب، فى ظل استهدافهم من قبل القوات التركية، حيث لم يبقى أمامهم سوى القبول بتسليم أراضيهم للحكومة السورية، وبالتالى الحفاظ على وحدة واستقرار سوريا، وهو الأمر الذى يعد بمثابة كلمة النهاية للأزمة السورية بعد استعادة الحكومة لسيطرتها على كافة الأراضى السورية.

إرث الأسلاف.. ترامب يسعى لتحويل موسكو من خصم إلى شريك

يبدو أن رؤية الرئيس ترامب تجاه الدور الدولى لموسكو فى المرحلة الحالية، يقوم فى الأساس على تحويلها من خانة "المناوئ" لواشطن، إلى دور الشريك، والذى يمكن استخدامه لتحقيق الرؤى الأمريكية فى المرحلة المقبلة، وذلك بعدما أصبحت القوى الروسية أمرا واقعا، وبالتالى فإن الصراع معها لم يعد ذى جدوى، بالإضافة كذلك إلى توريطها فى سياسة استعراض العضلات التى طالما استخدمتها واشنطن لعقود، وهو الأمر الذى ربما لا تتحمله موسكو طويلا فى ظل التحديات الاقتصادية الصعبة التى تواجهها.

الرئيس الأمريكى أدرك، منذ بداية حقبته، أن المساعى التى تبناها أسلافه لإزاحة موسكو من الصراع على صدارة المشهد الدولى غير ذى جدوى، خاصة وأن التأثير الروسى فى كافة القضايا الدولية يبدو ملموسا، ولا يمكن تجاهله، كما أن النفوذ الروسى فى سوريا تحديدا لم يبدأ فى حقبته، وإنما فى حقبة سلفه باراك أوباما، الذى تقاعس بدوره فى الحرب على الإرهاب، فى إطار سياساته التى قامت على مهادنة التنظيمات المتطرفة، وبالتالى كان الوجود العسكرى الروسى فى سوريا حقيقة واقعة، بدأت منذ عام 2015، أى قبل نهاية حقبة الإدارة السابقة بما يقرب من عامين.

فلو نظرنا إلى التعامل الأمريكى مع موسكو منذ بداية حقبة ترامب، فى يناير 2017، نجد أنها شهدت اختلافا جذريا عن الأسلاف، حيث تبنى سياسة قامت على الاحتواء، ربما دفعت خصومه السياسيين لاتهامه بالخيانة، ولكنها تمثل فى الوقت نفسه انعكاسا صريحا لاعترافه بالأمر الواقع، وهو ما يبدو واضحا فى دعواته المتواترة للانفتاح على موسكو، عبر إعادة ضمها إلى مجموعة السبع، وخطواته الأخرى تجاه الحلفاء الأوروبيين، والتى دفعتهم نحو مزيد من التعاون مع موسكو فى السنوات الماضية، وهو ما يبدو واضحا فى السعى الأوروبى لتوطيد شراكته الاقتصادية مع روسيا، بالإضافة إلى الحصول على دعمها فيما يتعلق بمواقفهم تجاه الاتفاق النووى الإيرانى.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة