محمود حمدون يكتب : " حق الرجوع "

الثلاثاء، 14 أغسطس 2018 10:00 ص
محمود حمدون يكتب : "  حق الرجوع " صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

 كنت بصحبته , أو كان يصحبني , لست أدري متى أو كيف التقينا , الوقت مجهول , المكان كأني ولجته من قبل , معلوم لدرجة الغموض , مررت به لكن تفاصيله تختلف عمّا بذاكرتي  .

أجزم أنيّ أعرفه , بسمته الصبوح , عينيه الغائبتين عن الحاضر , فلا تعرف أن كان يراك من ماضيه , أو ينظر لمستقبلك الفائت !, حيرتي بحضرته تزداد كلما اقتربت , كم من قربى تزيد لوعة النفس .. قطع صمتي بصمت أشد:

طريق طويل , مستعد له؟

-         نعم , هل أملك خياراً آخر؟

-         لك حق الرجوع في أي وقت شئت. لكنيّ أعلم شغفك , منذ صغرك و عقلك يدور كطاحونة لا تستقر على حال..

 -         لماذا أنا ؟

-          بغضب :تعاني من بقايا خيلاء لا تليق بك الآن , حمل حقيبته و كاد ينصرف .

-         تشبثت به كطفل يقبض على يد أبيه خشية الرحيل: أعتذر إليك فالشك يعصف بيّ منذ زمن بعيد .

مشينا بطريق مترب , معتم , يتلوّى , صعدنا مرتفع فكنّا نستنشق الهواء بألم , ثم هبطنا منحدر شديد , و قلوبنا أوشكت أن تنخلع من صدورنا , انتهينا لممر ضيق بيم جبلين , بنهايته بناية متوسطة الحجم , كئيبة المنظر , على بابها الوحيد ثلاثة نفر غلاظ , أشدّاء , يمتشق كل منهم سلاح ناري , يتخفّون وراء " نظارات " سوداء , فزادت حيرتي أكثر , لفّتني مسحة من ضيق.. لصعوبة العودة بعد أن نظرت خلفي , اعتصمت بصمت مرغم ..

 

-         أرى حيرتك قد بلغت عنان السماء , ندّت عنه ضحكة صافية بدّدت عتمة النفس ..

-         قلت : لا أخفيك , أشعر بضيق كأنما أصّعد إلى السماء , لا أجد نسمة هواء أو ما يبلّ الريق.

-         ربت على كتفي مطمئناً: هوّن عليك , فالأمر يسير , كدنا نصل لمرادنا .

دخلنا لبهو فسيح , إضاءة بيضاء , هواء بارد انزاحت أمامه موجة الرطوبة الخانقة التي كانت تصحبنا , حجرات عديدة , مغلقة الأبواب , أخذني من يدي برفق , دلفنا لواحدة منها , أثاثها بسيط , في استقبالنا شخصين غريبين , استقر بعقلي أني رأيتهما من قبل , أزحت ذلك الهاجس بعيداً , رحّبا بيّ دونما التفاتة للشيخ , على طاولة خشبية أمامهما , يستقر إناء نحاسي , رفع أحدهما غطائه : ثم غرف من سائل لزج القوام , " بمغرفة " طويلة اليد , ناولني إيّاها راجيا بودّ أن أشرب منها

فعلت بتردد . طعمه حلو المذاق , لم أحسه من قبل , شربة صغيرة , فلمّا استطعمته , أخذت " المغرفة " من يده , أكملت ما بها سعيداً هانئاً , حبور على وجه الغريبين ارتسم .

عدم ارتواء سيطر عليّ , ربما لطول المشوار , ووعورة الطريق , فأخذت " غرفة " ثانية .. تجرّعتها لآخرها , فماج وجهيهما بألم , تنبّهت , فاعتذرت : طعم الشراب حلو , لم أملك مقاومة له ..

-          لا تعتذر فما وصلت إلى هنا إلى بقدر , و ما أعددنا هذا الشراب إلاّ إليك .

-          فلما الوجوم على وجهيكما ؟

أتاني صوت من لا مكان : فرارك من مقام الحيرة بشربة واحدة , فإن زدت ذهب شيخك مع الذاهبين, فهنيئاً لك .

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة