سهيلة فوزى

محمد صلاح نموذجا...

الجمعة، 06 يوليو 2018 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"يُقبل بعد عمل نظارة طبية"
هكذا أشرت لجنة القبول لمعهد المعلمين بدمنهور للعام الدراسى 1950 على استمارة أحد التلاميذ، انطفأت بعدها البهجة فى وجه ريشة أفندى الذى اصطحب تلاميذ قريته المتفوقين لامتحانات معهد المعلمين.
 
صحيح أن اللجنة لم ترفض تلميذه الصغير، ولكنها وضعت شرطا يدرك جيدا ريشة أفندى استحالة تنفيذه، فالطفل ينتمى لأسرة بسيطة بالكاد يستطيع الأب تدبير تكاليف المعيشة لدستة أطفال، فكيف يستطيع تدبير خمسة عشر جنيها لتصنيع تلك النظارة شرط قبول ابنه بالمعهد.
 
عاد الجميع إلى القرية. ريشة أفندى والتلاميذ من أولاد الميسورين على الركائب، بينما كان على التلميذ الصغير المشى أربعة عشر كيلو مترات إلى قريته. لا يؤرقه طول الطريق بل قطعة الزجاج تلك التى تحول بينه وبين شغفه باستكمال تعليمه.
 
وما أن وصل القرية حتى كان ريشة أفندى قد حكى لكل من قابله المأزق الذى يواجه تلميذه، واستنكر أهل القرية أن يكون مبلغا كهذا سببا يحول بين أحد أبناء القرية المتفوقين والانتظام فى التعليم، وفى غضون أربعة أيام ذهب ريشة أفندى إلى بيت تلميذه حاملا سبعة عشر جنيها تكاليف تصنيع نظارته الطبية.
 
ذلك التلميذ الذى كادت خمسة عشر جنيها أن تجعل منه مزارع بسيط يقطن قرية صغيرة فى كفر الشيخ لا يدرى أحد عنه شيئا، هى ذاتها -بفضل أهل قريته- وضعته على أول الطريق، لتُهدى الأدب العربى واحدا من ملوك الحكى، بل أظنه شيخ الحكائيين المبدع الراحل خيرى شلبى.
 
وكان خيرى شلبى يقول عن موقف أهل قريته:
"لقد ظللت طوال عمرى، وإلى اليوم أفخر بأن أول نظارة طبية أضعها على عينىَّ كانت على نفقة أهل بلدتنا."
وبعد خمسين عاما كانت مصر على موعد مع طفل آخر، ولد بقرية صغيرة لأسرة بسيطة أيضا. صحيح أن الصلة بعيدة والفرق شاسع بين عالمى الأدب والكرة، ولكن ثمة رابط وحيد بينهما، بل إنه الرابط المقدس الذى يجعل للحياة ذاتها قيمة "الإرادة"، فما نصنعه فى مواجهة الصعوبات يجعل منا ما نحن عليه الأن. 
 
الطفل الصغير المولود عام 1992 بقرية نجريج بمركز بسيون لأسرة بسيطة، كان على موعد مع شغف من نوع آخر. شغفه بالساحرة المستديرة الذى تحمل من أجله عناء التنقل من قريته إلى القاهرة يوميا للتدريب مع فريق المقاولين للناشئين. 
 
لم يتوقف عند رفض نادى الزمالك احترافه فى صفوفه، لكن ضاعف من عزيمته ليفلت بعدها أنظار بازل السويسرى فطلب النادى صلاح لقضاء أسبوع معايشة فى سويسرا بعدها قدم بازل عرض الاحتراف الأول لمحمد صلاح. فخرج إلى أوروبا ولم يعد. بدأ مسيرة الاحتراف باللعب لبازل لموسمين 2012-2013 شارك خلالهم فى 79 مباراة سجل خلالها 20 هدف وصنع 17 آخرين.
 
انتقل بعدها إلى نادى تشيلسى الإنجليزى الذى شكل عقبة فى مسيرته بدلا من فرصة لمزيد من التألق، فكان صلاح أسيرا لدكة البدلاء، فلم يشارك إلا فى 19 مباراة فقط بمعدل أربعين دقيقة للمباراة الواحدة فسجل هدفين وصنع أربعة أهداف.
ورغم معاناة صلاح خلال احترافه بتشيلسى قال صلاح عن تلك الفترة:
 
"أكتر وقت استفدت فيه وأكتر وقت كنت مضغوط فيه.. أنا بالنسبة لى الوقت الصعب هو أكتر وقت بتعلم فيه، وعمرى ما فكرت أهرب من أى وقت صعب." 
 
فى حديث صلاح عن فترة "تشيلسى" نجد ملخص لسر تألقه، فهو مؤمن بموهبته، لا يعطى لليأس أبدا فرصة للتمكن منه، ويمتلك فى الوقت ذاته طموحا بلا حدود وعلى استعداد دائم للتعلم وتطوير نفسه أيا كانت الظروف. 
 
بعد تألق صلاح مع بازل السويسرى بالطبع انتظر الجميع مزيد من النجاح له مع الإنجليز، ولكن رؤية مورينيو الفنية وقتها أحالت دون ذلك، ومر عام خافت الأضواء على صلاح، فانضم بعدها إلى فيورنيتنيا الإيطالى ليعاود معهم التألق من جديد فى بلاد تشرق فيها الشمس بعيدا عن ضباب الإنجليز، ويثبت عمليا خطأ مورينيو، وفشله فى استغلال موهبة صلاح وتوظيف قدراته الفنية.
 
من فيورنتينا مرورا بروما وصولا إلى محطته الحالية بنادي ليفربول واصل صلاح مشوار تألقه وتطور مهاراته وقدرته على تسجيل الأهداف، فبعد أن شارك مع روما فى 83 مباراة سجل خلالها 34 هدف بمعدل هدف لكل مباراتين تقريبا. تطور معدل إحرازه للأهداف مع انتقاله إلى ليفربول الذى شارك معه فى 54 مباراة أحرز خلالها 45 هدف أى بما يعادل تقريبا ضعف معدل إحرازه للأهداف مع روما.
 
سجل محمد صلاح حافل بالأرقام القياسية، ولكن يبقى الرقم الذهبى فى مشوار صلاح حتى الأن هو الإصرار على النجاح، بالسعى الدائم للتعلم والتطور. 
 
محمد صلاح ليس نموذجا للاعب الكرة المحترف الناجح فقط ولكن نموذج للإرادة. كلما أدرك حلم يسعى لإدراك آخر فبعد نجاح مصر فى التأهل لكأس العالم قال "صلاح" أنه يمكنه الأن التركيز من أجل الحذاء الذهبى.
 
محمد صلاح ليس مجرد نموذجا للثراء كما يراه البعض، ولكن مثالا للعمل، للإيمان أنك تستطيع. إصرار "صلاح" الدائم على النجاح وتحقيق المزيد من الأحلام، جعل منه أيقونة ينظر إليها الجميع بشغف ليرون فيها تجسيدا للإصرار.. للمواجهة.. للاجتهاد.. للتطور.. ومزيد من النجاح....









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة