سلى صيامك مع الألغاز فى رمضان.. هل قتل ريتشارد الثالث أميرى البرج؟

الأحد، 27 مايو 2018 02:02 م
سلى صيامك مع الألغاز فى رمضان.. هل قتل ريتشارد الثالث أميرى البرج؟ ريتشارد الثالث
كتب ـ بلال رمضان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

هل قتل ريتشارد الثالث أميرى البرج؟.. هذا السؤال يجيب عليه بول أرون، فى كتاب "ألغاز تاريخية محيرة"، دار "كلمات" و"هندواى"، والذى ننشره فى سلسلة "سلى صيامك مع الألغاز فى رمضان".

"كل الروايات تحكم على بأننى شرير" هكذا جعل شكسبير ريتشارد الثالث يشكو قبل وفاته بفترة وجيزة. وأى شرير! فها هو أمامنا رجل لم يتردد فى قتل الملك هنرى السادس القديس ووريثه الشاب إدوارد… أو فى إغراق أخيه جورج (فى وعاء ضخم من النبيذ الحلو) … أو فى الزواج من أرملة أحد ضحاياه، ثم قتلها بالسم حين ظهرت عروس محتملة أخرى ذات علاقات أفضل على الساحة. وكانت الفعلة الأكثر شناعة على الإطلاق، والتى أكدت سمعة ريتشارد السيئة، هى اختطاف وقتل "أميرى البرج". فقد كانا مجرد طفلين، وكانا ابنى شقيق ريتشارد، ولكنهما وقفا حائلًا بين عمهما والعرش.

ولكن إذا كان ريتشارد فى دراما شكسبير لديه سبب مقنع للقلق بشأن سمعته، فقد استطاع الملك الحقيقى أن يلتمس العزاء لنفسه فى معرفة أنه كان سيأخذ أكثر من نصيبه من المدافعين. فبعد خمسمائة عام من وفاته، استمر قاتل أميرى البرج فى إلهام كتاب القصص البوليسية، وأبرزهم جوزفين تاى صاحبة الرواية الأكثر مبيعًا "ابنة الزمن" وتضم جمعية ريتشارد الثالث أكثر من ثلاثة آلاف عضو كرسوا جهودهم لتطهير اسمه.

كان ريتشارد فى عيون المدافعين عنه ضحية لحملة دعائية نظمها هنرى السابع، أول ملوك أسرة تيودور الذين خلفوا بطلهم فى الحكم. ويرسم هؤلاء "الريتشارديون" صورة مختلفة على نحو مذهل لريتشارد: فهو جندى شجاع، وملك مهموم بالحكم، وأخ مخلص. كما أن لهم أفكارهم الخاصة بشأن قاتل أميرى البرج.

كان الرجل المسئول عن النظرة التقليدية لريتشارد كتجسيد للشر، بما يفوق شكسبير، هو توماس مور؛ فهو من وضع الحبكة الأساسية التى اتبعها شكسبير والكتاب التيودوريون وقد قام مور بتأليف كتاب "تاريخ الملك ريتشارد الثالث" فيما بين عامى 1514 و1518 وقام بتنقيحه فى أواخر عشرينيات القرن السادس عشر.

نشأ ريتشارد الجلوسترى - من جلوستر - كما كان معروفًا قبل أن يصبح ملكًا، فى كنف شقيقه الأكبر الملك إدوارد الرابع. وكان ريتشارد الأكثر إذعانًا مخلصًا لإدوارد، الذى كافأه فى المقابل بالعديد من الألقاب والممتلكات التى تمركزت بشكل أساسى فى شمال إنجلترا.

وفى أبريل عام 1483، توفى إدوارد عن عمر يناهز الأربعين، بعد حياة من الإفراط فى الطعام والشراب والنساء، تاركًا ابنين؛ إدوارد اثنى عشر عامًا، وريتشارد عشرة أعوام.

وكانت أمنية الملك على فراش الموت أن يصبح ابنه الملك إدوارد الخامس، على أن يكون أخوه ريتشارد وصيا على العرش حتى يبلغ الصبى من العمر ما يؤهله لتولى الحكم بمفرده، لم يرض هذا الترتيب زوجة إدوارد الرابع، إليزابيث وودفيل. وبينما كان ريتشارد فى الشمال، نجحت فى إقناع المجلس الملكى فى لندن برفض وصايته، ثم أرسلت رسالة عاجلة إلى أخيها أنطونى، تطلب منه إحضار إدوارد الصغير إلى لندن حتى يمكن  تتويجه فى الحال، ولدى معرفته بالمؤامرة، أسرع ريتشارد إلى الجنوب، معترضًا سبيل أنطونى وودفيل وإدوارد. وبعد مأدبة احتفالية فى المساء، قام ريتشارد بالقبض على أنطونى وودفيل وإرساله إلى الشمال، حيث أعدم بعدها بفترة وجيزة. بعد ذلك، اصطحب ريتشارد ابن أخيه الصغير إلى لندن؛ حيث أسكنه برج لندن، الذى كان آنذاك قصرًا ملكيا وليس سجنًا.

استمرت الخطط فى اتجاه تتويج الملك الصغير، وأقنع ريتشارد الملكة بأن تدع ابنها الأصغر يلحق بإدوارد ليحضر مراسم التتويج. وتعهد ريتشارد بإعادة الصبى فور انتهاء التتويج. وكان ما ساهم أكثر فى إقناعها بلا شك قوات ريتشارد التى أحاطت بحرم الملكة فى دير ويستمينستر.

فى غضون ذلك، كان ريتشارد فى حاجة لذريعة ما للمطالبة بالعرش لنفسه. وظهرت تلك الذريعة بلا أى جهد فى يونيو، فى صورة معروف أسداه روبرت ستيلينجتون، أسقف باث وويلز. فقد كشف ستيلينجتون للمجلس الملكى عن أن زواج إدوارد الرابع بإليزابيث وودفيل كان باطلًا؛ لأنه فى وقت ما عقد قرانه بامرأة أخرى هى إليانور باتلر. وبذلك يكون الأميران اللذان فى البرج ابنى زنا.. وأبناء الزنا لا يستطيعون وراثة العرش.

ومع غرق جورج الأخ الآخر لإدوارد الرابع، فى النبيذ المذكور آنفًا، لم يكن هناك شخص آخر فى ترتيب وراثة العرش سوى ريتشارد الجلوستري. شعر ريتشارد فى تلك اللحظة أن التاج فى قبضته. وفى أواخر يوليو أو أوائل أغسطس، أرسل خطابًا إلى سير روبرت براكنبرى - مسئول الأمن بالبرج - يأمره بقتل الأميرين، إلا أن براكنبرى رفض.

ومن ثم، أسند ريتشارد المهمة إلى جيمستيريل، وهو مؤيد له ذو شخصية طموحة، وقد استعان بتابعين أمينين فى هذه المهمة. وبحسب رواية مور، انتظر تيريل بالخارج بينما تسلل الآخران إلى أعلى حيث الأميران النائمان، وعلى حين غرة قاما بلفهما داخل أغطيتهما وضغطا بقوة على فميهما بالحاشية الريش والوسائد، ثم قام الرجال الثلاثة بدفن الجثامين أسفل الدرج فى عمق الأرض وفق مقاسات محددة تحت كومة كبيرة من الأحجار.

إذا كان ريتشارد هو الشرير فى قصة مور، فقد كان البطل هو هنرى السابع، الذى ذبح ريتشارد عام 1435 فى ساحة معركة بوسورث، واضعًا نهاية لحرب الوردتين الدموية ومؤسسًا لسلالة الملوك التيودوريين السعيدة.

أو هكذا كتب مور. ولكن هل كان هذا صحيحًا؟

كان من الصعب على الجميع حتى أنصار ريتشارد التشكيك فى نزاهة سير توماس مور وأمانته. فقد كان فى النهاية الرجل الذى أعدم عام 1535 لأن ضميره لم يكن ليسمح له بأن يجارى خطة هنرى الثامن لتطليق كاثرين - من أراجون - والزواج من آن بولين.

فقد كان مور كاتبًا، وفيلسوفًا، وقديسًا (بعد تطويبه عام 1935) بالمعنى الحرفى إلى حد كبير.

ولكنهم شككوا. ففى عام 1768، وصف سير هورس والبول مور بأنه مؤرخ قادر على توظيف الحقيقة فقط كمادة لاحمة فى نسيج من الخيال، فلا يمكن إنكار مخطئًا فى حقائق معينة، منها وصفه لتشوهات ريتشارد. فلم يظهر الظهر المحدودب والذراع غير مكتملة النمو فى أى مرجع معاصر آخر.

شكك أنصار ريتشارد كذلك فى مصادر مور. فقد كان مور فى الخامسة فقط من عمره حين اعتلى ريتشارد العرش، وفى السابعة حين توفي؛ لذا من الواضح أن كتاباته لم تكن عن مشاهدة شخصية. ولعل الكاردينال جون مورتون، الذى عاش مور صباه فى منزله، كان أحد مصادره، وهو مصدر من الصعب أن نتخيل وجود مصدر آخر أكثر تحاملًا منه؛ فقد تعرض مورتون للسجن والنفى على يد ريتشارد الثالث.

إلى جانب أن مور لم ينته من كتابه "تاريخ الملك ريتشارد الثالث"، ولم ينشره، حسبما أشار أنصار ريتشارد؛ ولذا خمنوا أنه ربما يكون قد تخلى عن المشروع عندما علم الحقيقة بشأن ريتشارد وهنري.

والأهم من ذلك، فقد ذهب أنصار ريتشارد إلى أن رواية مور لم تكن منطقية؛ فلو كان المجلس الملكى قد حكم بالفعل بأن الأميرين أبناء زنا ومن ثم لا يمكنهما وراثة العرش، فلماذا اضطر ريتشارد لقتلهما؟ ولو أن هنرى قد وجد أن الأميرين غير موجودين حين استولى على البرج فى عام 1485، فلماذا لم تثرْ ثائرته بشأن ذلك، أو على الأقل يبحث عن الجثمانين؟.

كل ذلك فى نظر أنصار ريتشارد يشير إلى أن هنرى هو المجرم؛ فذهبوا إلى أن دافعه كان فى قوة دافع ريتشارد على الأقل. فباعتباره ابن عم بعيد إلى حد ما لكل من ريتشارد والأميرين، فقد كانت حجته فى المطالبة بالعرش أضعف كثيرًا من ريتشارد … وميئوسًا منها إلى حد كبير لو كان أى من الأميرين على قيد الحياة.

كان لكل هذه الأسئلة إجابات لدى أتباع المذهب التقليدي. فما من شك أن مجلس ريتشارد قد أعلن عدم شرعية الأميرين، ولكن ريتشارد كان يعلم أن هنرى السابع يمكنه

بنفس السهولة أقنع مجلسه بنقض القرار. وما داما على قيد الحياة، فبإمكان الأميرين دائمًا أن يكونا مصدر تهديد لعرشه وسببًا لتجمع أعدائه، أما بالنسبة إلى هنري، فقد كان هناك العديد من الأسباب التى تفسر احتمال عدم قيامه بأى شيء بشأن الأميرين بعد الاستيلاء على العرش. لعله لم يكن يعلم يقينًا بما حدث لهما. وربما يكون قد اعتقد أن الجميع يلقون بالمسئولية فى ذلك على ريتشارد، وربما خشى لو اعترف بأنه لا يعرف مكان الأميرين أن يؤدى ذلك إلى ثورات من أجلهما.

وهناك بالفعل ما يدعم هذا الخوف. ففى أثناء حكم هنري، توحدت القوى المناهضة للحكم التيودورى مرتين حول قائدين زعما أنهما الأميران. وقد اتضح أن إدوارد الذى  قاد ثورةً شعبية اندلعت عام 1487 هو لامبرت سيمنيل، ابن نجار بأكسفورد وصانع لآلات الأرغن. وفى عام 1491، زعم رجل أنه الأمير الأصغر ليتضح بعد ذلك أنه بركين وربك؛ فربما يكون قد اكتسب بعض المعلومات المفيدة من والده، الذى كان فى وقت ما يكسب قوت يومه من توريد السجاد للبلاط الملكى.

وهكذا فإن الحجج المؤيدة والمعارضة لكل من ريتشارد وهنرى قد تم تداولها على مدى قرون، وكان المقام الرفيع لكل من مور وشكسبير بشكل عام يعطى ثقلًا، للتقليديين، إلا أن ريتشارد قد حظى بدفاع قوي، منذ وقت مبكر يرجع إلى عام 1619 من سرد تاريخى تصحيحى للسير جورج باك. شيء واحد فقط هو ما بدا أكيدًا: أن نفس الحقائق يمكن أن تؤدى إلى استنتاجات مختلفة.

بعد ذلك، وفى ثلاثينيات القرن العشرين، تبدلت الحقائق.

فى عام 1933، خضع دير ويستمينستر أخيرًا لضغوط من جانب أنصار ريتشارد لفتح، المقبرة التى يفترض أن رفات الأميرين مدفون بها. وكان قد حدث فى عام 1674، وبحسب تعليمات من تشارلز الثانى لإخلاء موقع بالقرب من البرج الأبيض، أن اكتشف عمال صندوقًا يحتوى على هيكلين عظميين صغيرين. وعلى الفور أعاد الموقع للأذهان وصف مور لمكان الدفن، وخلص تشارلز إلى أن العظام كانت للأميرين. وأضافت قطعة من المخمل وجدت وسط العظام مصداقية واعتمادًا للاستنتاج؛ إذ لم يكن أحد يرتدى المخْمل سوى أفراد الطبقات العليا.

وأمر تشارلز بإعادة دفن الجثمانين فى دير ويستمينستر، حيث ظلا هناك لمدة 259 عامًا أخرى.

وقد كانت الدراسة التى أجريت عام 1933 على يد لورانس تانر، مسئول أرشيف ويستمينستر، وويليام رايت - رئيس الجمعية البريطانية للتشريح - قديمة للغاية على نحو لم يسمح بالتأريخ بالكربون، فضلًا عن تقنية الحمض النووي. ولكن تانر ورايت استطاعا استخدام الأدلة الخاصة بالأسنان لتقدير أن الطفل الأكبر كان فى الثانية عشرة أو الثالثة عشرة، والأصغر فيما بين التاسعة إلى الحادية عشرة. وقد كان إدوارد فى الثانية عشرة وريتشارد فى العاشرة حين اختفيا.

ولم يكن ذلك دليلًا قاطعًا على أن ريتشارد كان قاتلًا، إلا أنه يعزز على الأقل جانبًا من رواية التقليديين.

بعد ذلك بعام، ظهر دليل آخر، وهذه المرة فى المكتبة المحلية بمدينة ليل، وكان عبارة عن تقرير كتبه راهب إيطالى يدعى دومينيك مانشينى عام 1483. وعلى عكس مور، كان مانشينى فى لندن خلال الشهور العصيبة التى تولى فيها ريتشارد مقاليد الحكم. وقد أوضح الراهب نيته مسبقًا: سأعرض كتابة المكائد التى حصل بها ريتشارد الثالث على العرش".

وصف مانشينى كيف انتقل الأميران إلى الغرف الداخلية للبرج وكيف كان معدل ظهورهما يقل ويقل تدريجيا، إلى أن غابا عن الأنظار تمامًا. أما فيما يتعلق بالطريقة التى توفى بها الملك الشاب، فلم يذكر مانشينى سوى أنه "كان هناك بالفعل اعتقاد أنه قد تم التخلص منه".

استفاد أنصار ريتشارد من حقيقة أن مانشينى لم يتهم ريتشارد بجريمة القتل بشكل صريح ومباشر. وأشاروا أيضًا إلى أن ما ذكره ربما لم يكن سوى نميمة. ولكن ظل التقرير، على أقل تقدير، دليلًا على أن الروايات بشأن قسوة ريتشارد لم تكن مجرد تلفيقات لمسئولى الدعاية اللاحقين فى العهد التيودوري. حتى فى زمنه، كان واضحًا أن هناك الكثير من الناس كانوا يظنون أن ريتشارد قد قتل الأميرين.

لم تكن مكاشفات القرن العشرين كافية فى نظر الغالبية العظمى من المؤرخين لإدانة ريتشارد. فقد كانت الأدلة جميعها عرضية، وقليل من المؤرخين هم من أنكروا على أنصار ريتشارد شكهم المنطقي. ولكن التاريخ ليس بساحة قضاء؛ فلا بد للمؤرخين أن يعكفوا على دراسة الاحتمالات، وليس الأمور الممكنة. لقد كان لدى آخرين دوافع للتخلص من الأميرين، ولكن أيا منها لم يكن قويا كدافع ريتشارد. كان لدى آخرين فرصة أيضًا، وكذلك ريتشارد، ومن الصعب أن نتخيل شخصًا آخر يتخلص من الأميرين دون أن يعلم ريتشارد شيئًا عن ذلك.

ولكن إذا كان معظم المؤرخين قد خلصوا إلى أن ريتشارد مدان على الأرجح بجريمة القتل، فبإمكان أنصاره أن يجدوا بعض العزاء فى إجماع رأى يقضى بأنه لم يكن بأى حال ذلك الوحش المنقطع النظير الذى صوره مور وشكسبير. لقد كان ريتشارد فى قتله للأميرين يحذو حذْو سوابق مماثلة راسخة؛ فقد اغتيل إدوارد الثانى بناءً على أوامر زوجته، التى تولت زمام الحكم نيابة عن ابنها إدوارد الثالث، فيما ترك ريتشارد الثانى يتضور جوعًا حتى الموت على يد هنرى الرابع، وقتل هنرى السادس بناءً على أوامر إدوارد الرابع.

لقد استدعى ريتشارد إلى الأذهان كل هذه الاغتيالات. فلم تكن إنجلترا فى العصور الوسطى قد عرفت ملكًا مخلوعًا، وأغلب الظن أن تلك كانت نظرة ريتشارد لابنى أخيه؛ لذا فمن المرجح للغاية أن يكون "العنكبوت الأحدب" الذى وصفه شكسبير رجل عصره.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة