سهيلة فوزى

روزاليوسف.. فى محبة امرأة حرة ذات سيادة (2)

الجمعة، 09 فبراير 2018 05:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"أعطوها الترخيص.. خلوها تاكل عيش"

 هكذا حل أحمد زيور باشا رئيس الوزراء ببساطة شديدة تعنت وزارة الداخلية فى منح السيدة فاطمة اليوسف ترخيص تحويل مجلة روزاليوسف إلى اللون السياسى بدلا من الفنى الثقافى.

بعد إصدار مجلة روزاليوسف فى 26 أكتوبر 1925 بطابعها الفنى الثقافى لم تلق المجلة رواجا يضمن لها القدرة على الاستمرار فاقترح محمود عزمى على روزاليوسف الاكتفاء بما أصدرته من أعداد، لكنها رفضت واقترحت بدلا من ذلك تحويلها إلى مجلة سياسية، ولما رفضت الداخلية منحها ترخيص المجلة السياسية لجأت إلى رئيس الوزراء وقتها فمنحها الترخيص، لتبدأ بعدها فصلا جديدا فى حياة روزاليوسف من صعود وهبوط وشد وجذب مع الحكومة والاحتلال والقصر دام سنوات كانت مصلحة الوطن هو ما تنشده دائما روزاليوسف السيدة والمجلة والصحيفة اليومية.
كان سعد زغلول أول شخصية سياسية تظهر على غلاف مجلة روزاليوسف بعد وفاته فى أغسطس 1927 ثم انغمست المجلة فى الهجوم على أعداء الوفد الذى كان يحظى وقتها بالالتفاف الشعبى، ودخلت معارك محتدمة لتأييد تولى مصطفى النحاس رئاسة الحزب خلفا لسعد زغلول وبذلك دخلت روزاليوسف المجال السياسى سريعا وانحازت منذ البداية للشعب ولما تراه فى صالح الوطن فكان عداؤها للإنجليز راسخا، وهجومها على من يهادنهم دائما. كانت دائما فى قلب الأحداث، فبعد إقالة الملك لحكومة الوفد وتعطيله الدستور هاجمت المجلة القصر والإنجليز والحكومة، فتعرضت كثيرا للغلق والمصادرة ولكن السيدة لم تيأس وأصدرت أربع مجلات بديلة لتتغلب على توقف مجلة روزاليوسف المؤقت.


أهم ما يميز فاطمة اليوسف أنها شخصية من الصعب التنبؤ بقراراتها ، ففى الوقت الذى خرج فيه التابعى مصطحبا مصطفى أمين وعلى أمين وصاروخان وغيرهم. كان المتوقع أن تنهار المجلة، ولكن على العكس تماما، قررت روزاليوسف إصدار صحيفة يومية إلى جانب المجلة الأسبوعية، إيمانا منها أن مجلة روزاليوسف لا تتأثر بخروج أحد مادامت روزاليوسف ذاتها مازالت بداخلها.

واتبعت الصحيفة اليومية نفس المنهج الوطنى فى مهاجمة الإنجليز والمطالبة بعودة الدستور وكان تمسك روزاليوسف بتلك المبادئ سبب اتفاقها مع الوفد ولكنه أيضا كان سبب الخلاف بينهما بعد تولى توفيق نسيم الوزارة. رأى الوفد بزعامة النحاس مهادنة الوزارة الجديدة حتى تفى بوعدها وتعيد الدستور، وعلى العكس من موقف الوفد انخرطت روزاليوسف اليومية فى الهجوم على وزارة "نسيم" فأعلن الوفد فى بيان أن جريدة روزاليوسف لا تمثل الوفد ولا صلة لها به.

فردت مجلة روزاليوسف على بيان الوفد بنشر كلمة سعد زغلول التى قال فيها:

"الصحافة حرة.. تقول فى حدود القانون ما تشاء وتنتقد ما تريد. وليس من الرأى أن نسألها لماذا تنتقدنا، بل من الواجب أن نسأل أنفسنا لما نفعل ما تنتقدنا عليه".(1)
فكانت كلمات سعد زغلول مؤسس حزب الوفد خير رد على بيان الوفد.
 

واستمرت روزاليوسف فى موقفها المعارض للإنجليز والحكومة والقصر وانضم إليهم الوفد، فأصبحت فى عداء مع الجميع من أجل الدستور والحرية. وخاصة الوفد الذى حارب روزاليوسف كثيرا بسطوة الحزب الكبير وجماهيريته العريضة فى الشارع. حتى أن الوفد اعتاد إرسال مظاهرات حاشدة تعتدى على مقر الصحيفة بالحجارة، فلجأت روزاليوسف إلى مجموعة رجال صعايدة لحماية المقر، فانقطعت المظاهرات بعد ما لقته من مقاومة رجال روزاليوسف.

وثبت فيما بعد صحة موقف روزاليوسف بعد شهرين من فصل الوفد لروزاليوسف أعلن وزير الخارجية الإنجليزى أن حكومته لا توافق على إعادة دستور 1923 فى مصر لأن العمل قد أثبت عدم صلاحيته للتطبيق.



وظلت دائما روزاليوسف على ذات النهج بعيدة عن التقيد بالانتماء لأى حزب. تنحاز فقط للجماهير ولما تؤمن به فى صالح الوطن، ويشهد لروزاليوسف أنها كانت من الصحفيين القلائل الذين رفضوا طوال مسيرتهم الصحفية الحصول على ما كان يعرف باسم المصروفات السرية التى كانت تمنحها الحكومة للصحف وللصحفيين لممالئتها وعدم نقدها. (2)


وبعد ثورة يوليو 1952 حدث الصدام بين الصحافة والثورة الجديدة فى مطلع عام 1953 بقرارات مصادرة لبعض الصحف، تلك القرارات التى دفعت السيدة روزاليوسف لكتابة خطاب إلى جمال "عبد الناصر" قالت فيه: "إنك بحاجة إلى الخلاف تماما كحاجتك إلى الاتحاد، أن كل مجتمع سليم يقوم على هذين العنصرين معا، ولا يستغنى بأحدهما عن الآخر"، وأضافت: "لا تصدق ما يقال من أن الحرية شىء يُباح فى وقت ولا يباح فى وقت آخر فإنها الرئة الوحيدة التى يتنفس بها المجتمع ويعيش".
ورد "عبد الناصر" على خطابها بخطاب آخر قال فيه: "أنا بطبعى أكره كل قيد على الحرية".. وأضاف " أنا لا أخشى من إطلاق الحريات وإنما أخشى أن تصبح الحرية تباع وتشترى كما كانت قبيل 23 يوليو.. ومع ذلك فأين الحرية التى قيدناها؟".
وتابع "عبد الناصر" فى خطابه "أنت تعلمين أن النقد مُباح وأننا نطلب التوجيه والإرشاد ونُلح فى الطلب، بل إننا نرحب بالهجوم علينا إذا كان يُقصد منه صالح الوطن، وليس الهد والتخريب .. ذلك لأننى أعتقد أنه ليس بيننا من هو فوق مستوى النقد أو من هو منزه عن الخطأ"
ونشرت مجلة روزاليوسف خطاب "عبد الناصر" على صفحاتها بتوقيعه. (3)

ولم تكن تلك المرة الأولى التى توجه فيها السيدة روزاليوسف خطابا إلى الحاكم على صفحات مجلتها، فقبل ذلك بسنوات سبق لها ووجهت خطابا منها إلى الملك فؤاد تناشده بإعادة الدستور.

ورغم كل ما واجهته السيدة روزاليوسف من أوضاع سياسية تحول دون استمرار أكثر الرجال عزيمة، استطاعت الصمود والاستمرار وخلق صحيفة يتلهف إليها القارئ فيكفى ارتباط اسمها بأى إصدار صحفى حتى يكون محل ثقة القارئ وموضع اهتمامه.
 

نجحت روزاليوسف فى حفر اسمها فى تاريخ الصحافة المصرية على الرغم من كل التحفظات المجتمعية على عمل المرأة بالقرن الماضى، فدخلت أكثر مجالات العمل صعوبة وانتقادا من المجتمع، فى المرة الأولى احترفت التمثيل فصارت النجمة الأعلى أجرا، والمرة الثانية خاضت مضمار العمل الصحفى والكفاح الوطنى بالكلمة من أجل الحرية.


مصادر...
(1) فاطمة اليوسف... ذكريات "الهيئة العامة للكتاب"
(2) الصحافة المصرية دراسة تاريخية... د. عواطف عبد الرحمن- د. نجوى كامل "مؤسسة الطوبجى للنشر"
(3) الملك والكتابة... محمد توفيق "دلتا للنشر والتوزيع"
 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة