علاء عبد الهادى

اتركوها تسافر!

الإثنين، 26 فبراير 2018 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قولا واحدا: بطلوا جدل وسفسطة حول قضية سفر الآثار فى معارض خارجية.. اتركوا الآثار تسافر وتحدثوا فقط فى الضوابط والاشتراطات وإجراءات التأمين.
اتركوها تسافر، لأن العوائد بلا حدود وأقلها عشرات الملايين من الدولارات التى تدخل خزينة الدولة من قبل الجهات المنظمة، ولكن العائد الأكبر والأهم هو أن هذه المعارض تمثل دعاية إيجابية مجانية لا تقدر بملايين الدولارات عن مصر وآثارها، وتاريخها وحضارتها.
 
اتركوها تسافر، لأنها خير سفير عن أعظم حضارة، لها فضل على كل حضارات الدنيا.
 
اتركوها تسافر ستجدوا أن أخبار المعرض سوف تتصدر الصفحات الأولى فى صحافة البلد الذى سيحل عليه المعرض، وسترون كيف تتسابق الفضائيات على التغطية، وكيف يسعون لاستضافة الوفد المصرى للحديث عن آثار مصر.
 
هلك اليهود بكثرة الجدل، وحلت عليهم لعنة الله بكثرة الأسئلة عن أشياء أن تبدى لهم تسوؤهم، لا تكونوا مثل اليهود وتوقفوا المراكب التى بدأت تسير، بعد أن «شحطت» مركب السياحة المصرية، هاهى بدأت تتحرك شيئا فشيئا، لا تعطلوها من جديد بالجدل الدائر حول سفر معرض الفرعون الذهبى توت عنخ آمون فى جولة خارجية تجنى من ورائه خزانة الآثار الخاوية «70 مليون دولار» دولار «ينطح» دولار، واضرب الدولار فى 18 جنيها، إضافة إلى عدة مئات من ملايين الدولارات من الدعاية المجانية، وقبل هذا وذاك الآثار مأمن عليها تأمينا بالمليارات.
ما المشكلة إذن ولماذا الضجة؟
 
القطع الفريدة أو «الماستر بيسس» ممنوعة بقوة القانون من السفر، لكن من ينظم المعرض يكون لديه عادة سيناريو للعرض، وليس مجرد رص للآثار والسلام كما يعتقد البعض، ويكون فى حاجة إلى قطعة بعينها ليكمل السيناريو الذى سوف يسوق به المعرض، وعادة ما تكون القطع التى تسافر متكررة وغير خاضعة لترميم يخشى عليه من سفرها.
 
نأتى لإجراءات السفر وعملية الشحن التى تقوم بها عادة شركات عالمية متخصصة، ويكاد تنتفى أى احتمالية لتعرض القطعة الأثرية لأى خطر بسبب الإجراءات وعمليات التغليف المعقدة التى تستخدم فيها حسابات دقيقة، وأخشابا خاصة ومواد رغوية مضغوطة إلى آخره من الإجراءات التى تتم فى حضور الآثريين والمرممين المصريين الذين يشرفون على كل صغيرة وكبيرة، ويرافقون الآثار فى حالة نقلها سواء بالطائرات أو بالبواخر أو بعد ذلك بريا مع ضباط لشرطة السياحة والآثار، ويشرفون أيضا على إجراءات التنزيل فى البلد التى ينقل إليها المعرض وإجراءات إعادة التركيب والعرض.... إلخ.
 
أين الخوف إذن؟، هذا تزيد، وتنطع فى غير محله، وقد يئسنا من هذا المسلك الذى سلكه البعض الذين دخلوا فى خصومات وصلت إلى القضاء من أجل تعطيل سفر أى معرض آثار للخارج، وهم فى الحقيقة لا يهمهم البلد ولا آثارها، ويهمهم أكثر أن يزجوا بهذا المسؤول أو ذلك إلى السجن أو إرهابه أو على الأقل جعل يده مرتعشة.
 
أتيحت لى فرصا ذهبية عرفت فيها عن قرب كيف يقدر العالم حضارتنا التى نجهلها، ولا نقدرها، ونعتبرها أحجارا ومساخيط ونتبول عليها أو نربط فيها البهائم، أو نتخذها مسرحا للرقص والطبل والزمر إذا زرناها بالصدفة فى رحلات إجازة نصف العام الدراسى.
 
شاهدت كيف توقف المرور فى محيط متحف «دى يانج» فى سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية، بسبب الزحام الرهيب والإقبال الكبير الذى يشهده لزيارة متحف لآثار الملكة حتشبسوت وكيف اضطرت سلطات المرور فى الولاية إلى اتخاذ إجراءات استثنائية وتحويل المرور، وإرسال تنبيهات عبر الإذاعة المحلية والفضائيات بتجنب محيط المتحف لإصابة الشوارع بشلل مرورى، وقررت إدارة المعرض أن تعلن أن المعرض سوف يستقبل زواره على مدى الأربع والعشرين ساعة، لتمكين من يريد الزيارة ليلا أو نهارا لمقابلة الأعداد الغفيرة.
 
احتفظ فى ألبوماتى الخاصة بمئات بل ربما آلاف الصور لزوار لهذه المعارض فى شتى أنحاء العالم يقفون فى طوابير ممتدة لعدة مئات من الأمتار خارج المتاحف التى تعرض فيها آثار مصرية لينالوا شرف الزيارة، أغلبهم يمسكون الشماسى إما هربا من أمطار متساقطة أو أشعة شمس حارقة، الأهم أن يستمتعوا بزيارة آثار مصر. 
 
وأنا أقلب فى أرشيفى الخاص وجدت كيف أن أكبر طائرة شحن فى العالم واسمها «البلوجه» نقلت آثارا مصرية، وكيف أن الشركة العالمية وضعت فى «سيرتها الذاتية» أنها نالت شرف نقل آثار الفراعنة.
 
العيب فينا وليس فى الغرب، ولا الشرق الذى يرحب بنا، ويستطيع أن يوظف المعرض أعظم توظيف، فى اليابان مثلا لم تتوقف استفادتهم من معرض الفرعون الذهبى توت عنخ آمون على عرض الآثار، ولكنهم صنعوا «تى شيرتات» عليها صورة «توت» واتفقوا مع مصنع للشيكولاته لينتج لهم خط إنتاج خاص بالفرعون الذهبى، ونفس الأمر مع شركة لبيع «النودلز» وروجوها بين الأطفال «نودلز الفرعون الذهبى».
يمكن أن أحدثك عن عشرات وربما مئات الأفكار العبقرية التى يستقبلوا بها معارض الآثار المصرية.
فماذا عنا؟
 
اتركوها تسافر، ودعوا معها السفير المتجول المتحدث باسم فراعنة مصر كلها العالم المصرى زاهى حواس لكى يمارس هوايته المفضلة فى سحر العالم، وتنويمهم مغناطيسيا، ليخرجوا وكأن إرادتهم سلبت إلا من شىء واحد، هو زيارة مصر والاستمتاع بآثارها.
اتركوها تسافر حتى تنفك لعنة الفراعنة التى أصابت كل العاملين فى الآثار واصبحوا لا يجدون مرتباتهم.
د. خالد عنانى وزير الآثار: توكل على الله، ولا تجعل أحدهم يرهبك وافتح الباب لسفر فراعنة مصر.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة