علاء عبد الهادى

الانتحار القومى

الأربعاء، 14 نوفمبر 2018 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أول مرة  أستمع فيها إلى هذا الاصطلاح «الانتحار القومى»، كانت على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسى فى جلسة «ما بعد الحروب والنزاعات.. آليات بناء المجتمعات والدول» ضمن جلسات منتدى شباب العالم الذى انقضت جلساته، ولكن تأثيره لايزال مستمرا، بل لعلى أقول إن تاثيره الحقيقى سيبدأ فى الظهور فى الأيام والأسابع والشهور القادمة فى صورة تطبيق لقراراته وتوصياته، سواء فى الإطار المصرى الخالص، أو على مستوى الدائرة الأفريقية، أو العربية، وحتى العالمية من خلال هؤلاء السفراء من صفوة شباب العالم الذين استضافهم المنتدى على مدار أيامه ولياليه فى مدينة السلام شرم الشيخ.
 
أعود إلى «الانتحار القومى» الذى أراه متجسدا فى بلاد عربية شقيقة تابعت وعشت مجدها وعزها، وتابعت كيف ضاعت وانهارت، وسقطت فى دوامة الاحتراب الأهلى الذى لا نجاة منه إلا برحمة الله، وبوعى من أبناء تلك البلاد بأنه لا سبيل إلا بالحوار الداخلى الخالص بعيدا عن دوائر المصالح الخارجية، وهو أمر كاد أن يصبح شبه مستحيل.. زرت سوريا، ورأيتها عندما كانت جميلة، تأكل من نتاج أرضها، وتصدر الفائض، رأيتها جميلة تحتضن أهلها، وإن غابت عنها الديمقراطية، وهى حق مثل الماء والهواء، ولكن بسبب رغبة التغيير ولا شىء غيره، كانت القفزة فى الظلام التى قفزها السوريون، وسقطوا فى دوامة لا نهاية لها، وحدث فراغ ملأه شياطين الأرض، وراحت تدور على أرض سوريا حروب بالوكالة بين العديد من الأطراف والقوى الإقليمية المتصارعة، جميعهم يبحثون عن مصالحهم، ويتحدثون باسم الشعب السورى الذى تحول الملايين منهم إلى لا جئين، وضحايا حروب، ومشردين، ناهيك عن انهيار البنية السورية التى تحتاج الآن إلى عدة مئات من تريليونات الدولارات.. فمن أين؟ أليس هذا انتحارا قوميا؟
 
ماحدث فى سوريا حدث فى اليمن الذى كان يوما يسمى باليمن السعيد، فإذا به ينزلق إلى حرب أهلية طاحنة، وبنفس السيناريو، تتعمق الجراح لأن الحروب فى اليمن تتم بالوكالة بين قوى إقليمية تتصارع على أرض اليمن، والنتيجة شعوب تعيش على الكفاف، لا تجد قوت يومها، وأطفال يعانون سوء التغذية وتتصدر صورهم المجلات العالمية لجمع التبرعات.. أليس ما حدث ويحدث فى اليمن هو الانتحار القومى اليومى المستمر؟
 
زرت العراق الشقيق ورأيت أن أقصى ما يحلم به الأمن والأمان، الذى انعكس فى دوائر أمنية لا مثيل لها، حيث تنتشر ما تسمى بنقاط «السيطرة الأمنية» فى كل مكان، وتحديدا فى دور العبادة التى من المفترض أنها قبلة الأمن والأمان، كان العراق يوما حلما لكل من يريد أن يبنى نفسه، كان حلما لمن يريد أن يحدث قفزة فى مستوى دخله، لذلك كان قبلة للمصريين فى وقت من الأوقات، بل إن بعضهم كان يفضلها على دول الخليج، لأن العراق بالإضافة إلى أنه بلد يمتلك مخزونا هائلا من الطاقة، فهو فى الوقت نفسه بلد زراعى حباه الله بنهرين، وأرض زراعية خصبة، كل هذا أصبح فى خبر كان لذلك تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى مع شاب عراقى عشرينى أثناء منتدى شباب العالم، وبين له انه لم ير العراق فى عزه ومجده.. لماذا؟ لأن شعب العراق أقدم على «الانتحار القومى» وسقط فى دوامة الفئوية، والطائفية البغيضة التى تشبه النار عندما تمسك فى الهشيم.
 
فى ليبيا الشقية، حدث ولا حرج، ملايين المصريين الذين عاشوا وعملوا فى العراق، يدركون، ربما أكثر من غيرهم كيف انتحر الليبيون قوميا، عندما قفزوا قفزة فى الظلام رغبة فى التغيير والسلام، وتحولت ليبيا إلى معقل للإرهاب، تأوى بين ربوعها أعتى الإرهابيين الذين يتاجروا بالدين، ويهددون الجيران، والهم أنهم اختطفووا ليبيا نفسها.. أنظر الآن إلى ليبيا، وانظر كيف كانت، وإذا لم يكن ما حدث لها هو افنتحار القومى بعينه.. فماذا يكون؟!
 
ليس معنى كلامى هذا أننى ضد رغبات الشعوب فى التغيير، بالعكس، وكما قال الرئيس فى هذه الجلسة المهمة «التكلفة الإنسانية والمالية والأخلاقية اللى دفعتها الدول دى.. أكبر بكتير من لو كان الأمر استمر بدون تغيير» ولكن وكما أضاف الرئيس نفسه «نحتاج لتعلم مقومات الدول والحفاظ عليها واستمرارها».. وأنا أقول رغبة التغيير لا يجب أن يعقبها فراغ يملأه العدو المتربص بنا، انظر إلى مصر كيف كانت على شفا الهاوية، وعلى بعد خطوة من الانهيار الذى لا رجعة منه، لولا وعى الشعب، ورحمة الله، ووجود جيش وطنى قوى ليس فى تركيبته ولا عقيدته الطائفية، ما كنا نعيش فى هذه النعمة التى لا تدانيها نعمة.. الوطن.. اللهم ادمها علينا نعمة واحفظ مصر وجيشها وأدم عليها الأمن والأمان.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة