رشيدة الركيك تكتب : عطر الحياة

الخميس، 04 مايو 2017 02:00 م
رشيدة الركيك تكتب : عطر الحياة حب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عطر الحياة أم عشق الوجود، نغمة الحب لكل شيء جميل كان أم قبيح، يبدو الجمال فى الوجود وتتحرك أحاسيسنا الجياشة اتجاهه، هو إذن سر الإقبال على الحياة ومعانقتها معانقة العشاق التى لا تخلو من ألم الفراق ومخاوفه .
 
الإقبال على الحياة تسيطر عليه الرغبة فيها وتقبلها بالرغم من غدرها، ومع توالى الصفعات نردد "هكذا الحياة".
 
نستنشق عطر الحياة فى مشاكلها وفى تقلباتها وفى غدرها ومرضها وصحتها، هى حياة مقبلة على الموت لا محالة، نتمسك بها أكثر مع كل جرس إنذار بمغادرتها، نتلهف لها من جديد لتحمل سرا آخر من أسرار وجودنا .
 
الحياة لا معنى لها دون عطرها المُبهج و الملذ والمغري، نتحسس أثره دون كلل أو ملل. إنها فلسفة الوجود التى يعيشها كل واحد منا والتى لا غنى لنا عنها . 
تعصف بنا الظروف وتتقلب أمواج الحياة العاتية ويصطدم كل منا عندما يجد نفسه مرميا على شط البحر فاقدا لكل وعى، لكن بعد شيء من الذهول، بمجرد ما يستيقظ يعود من جديد إلى ماء البحر المالح ليلامس جلده بنعومة ويدخل فى ثنايا جسده الموشوم بالتعب والقهر.
 
مع أن الحياة صعبة والصعاب كثيرة ومتنوعة، فإن عطر الحياة له لذة خاصة تجلب كل كائن إليه ولاسيما الكائن العاقل المدرك لمعانيه. إنه العقل من يجعلنا نضحك من أنفسنا و من تصرفاتنا اتجاه القدر والظروف، إنه العقل من يستهزئ منا لحظة اليأس حتى أن بدينا حمقى مع أننا أعقل العقلاء.
 
عطر الحياة يدعونا لها ويصرخ فى وجهنا وإن تجاهلناه رغما عنا. وقد نتبع أثره ونبحث عنه فى الكثير من محطات حياتنا، رغم الخبرة والنضج، سيظل ذلك العقل فينا يوقظ تلك الأحاسيس لنتعامل معها بكثير من الحذر.
 
الرغبة فى الحياة ورفض الهم والغم، ورفض الوجود المكتئب الصامت الممل، إنها رغبة فى ضجيج الحياة الصاخب المتعب أحيانا لكنه مطلوب أحيانا كثيرة.
عطر الحياة يوقظ فينا الرغبة المحركة لكل إرادة فى الفعل دفينة فى أعماقنا ويحركها ويدفعها فى اتجاه الواقع، فتزركش حياتنا ألوانا حتى لا يغطى الظلام ويلغى السواد وجود الألوان الجميلة فى حياتنا.
 
يكفى أن الموت يهدد وجودنا لننسى حياة أكيد ستصبح فى خبر كان، هى زائلة متغيرة ستتحول الأحداث نفسها لا محالة إلى لغة سرد عقيمة، لن تستطيع تغيير الأحداث، ويكفى أن موت أحباءنا يذكرنا بالأجل الموعود لنقف ونتأمل حياة فى طى الزوال.
 
يبدو أن الحياة مسرحية، كل منا يلعب دوره لتنتهى فى الأخير إلى حياة أخرى واقعية سرمدية، يكفى يكفى و يكفي... لنعكف عن عطر الحياة ولكن كلما باغتتنا الإبتسامة علمنا أن الحياة تستحق أن تعاش بكل أحاسيسها المتناقضة، وأن كل واحد يبت فينا نغمة من نغمات أنشودة الحياة. إنه الإحساس المرهف بالوجود والعشق له بكل دبدبات الجسد التى تجعل الملامح براقة وصاخبة ومعبرة عن الرغبة فى الوجود بكل تقلباته.
 
عشق الوجود ما يميز هذا الوجود الإنسانى المتميز المستنبط للمعانى والقارئ لأحداث الوجود بصورته الخاصة، فيها من الحب ما يكفى وإرادة الحياة وصناعة الواقع و الإنصات لصوت الحياة وتذوق جمالها والكلام عنه فى قصيدة شعرية ربيعية والنظر إلى عجائبها بشيء من الفضول الغريب والمثمر لكل وجود إيجابى مُنسّم للحياة وعاشق للوجود وأضوائه التى تشع فى السماء كل صباح مع صياح الديكة بعد ليل طويل جميل .
 
فى الليل ظلام به خوف ويأس ورهبة من كل ما قد يقع ليعلن عن نهاية غير متوقعة لكل إنسان.
 
مع ضوء الصباح تعود الحياة من جديد والمواجهة لكل الصعاب مع الكثير من التحدى والقدرة على التحمل آملين لحظات من عطر الحياة ومن التمتع الجميل بدون إخفاقات وإصرار وصبر وثقة وعزيمة.
 
الأمل فى الوجود هو ما يضمن استمرار الحياة ويقطع أنفاس اليأس ويجعلنا ننتظر يوما جديدا لا يشبه باقى الأيام، ونحن نعيش من أجل هذا اليوم الربيعى مع أننا قد نتألم فى خفاء. إنه اليوم الذى ستنطلق فيه كل الكائنات معلنة غريزة حب الحياة والرغبة فيها.
 
لكن لولا حرارة الصيف وتساقط أوراق الخريف وموتها ما كنا ننتظر سماع زقزقة العصافير والألوان الربيعية الزاهية لنلامس الجمال ونستشعره مستسلمين له. فكيف تكون الأيام لولا هذه اللحظات التى تبعث فينا روعة الحياة وتجعلنا نرقص من الفرح ومن نشوة انتصارنا على تلك الفترات العصيبة؟
وكأننا كنا نقول لها ستفرج "إنّ بعد العسر يسرا" كعنوان من أجل الإستمرار.
 
يكفى وجود الحروب وتشتت أسر وأطفال جياع ومرضى لنتكلم عن يأس وجودى أو عن فلسفة تأليه الظلم... لكن لابد للحياة من عطر نبرر به وجودنا ورغبتنا فيها، فكيف نسعد غيرنا ما دمنا لا نستطيع استطعام الجمال الوجودي؟
 
وإن استعصى علينا قراءة الفنجان ومعرفة ما ينتظرنا ولعل فى ذلك خير لنا، فلماذا نتوقع الأسوأ على نحو أيسر من غيره؟
نريد أن تجتاحنا نفحات الأمل لنعيش عالم من الممكنات على الأقل كما نحبه ونترك خيالنا يخلق العالم الجميل بدون قيود.
 
لا نريد أن نسمع عن قتل أو انفجار أو عنف... ولكن دعونا نعيش فى سلام مع أنفسنا نرى ما نريد أن نراه على أن تأخذ العدالة مجراها بالتأكيد دون أن نلوث أكسجين الحياة ونقتل كل عطر مبهج فنجعل كل شيء ينزف ونستيقظ كل يوم على مخاوف تقلق مضاجعنا وتجعلنا نتوقع ما يسرق منا لحظات العمر، وكأننا نسير على قنطرة من دماء تنزف وعلينا أن نرى جمال اللون الأحمر.
 
مع ذلك علينا أن نحب طعم الحياة وندعو إلى الاستنشاق من عطرها كيفما هى الظروف كعنوان للاستمرار ودعوى له، وإلا سندعو لإجهاض كل حياة لم تعلن صرخة الوجود. سوف نبتسم وإن انكمشت ملامح الجمال فى وجوهنا سوف نعيش وإن كان يهددنا الموت سوف نغنّى مع زقزقة العصافير رفضا لكل ألم. 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة