"لبثت فى السجن تسعة أشهر".. ما الذى قاله "العقاد" فى البرلمان ضد الملك فؤاد فحبسه.. وكيف وصف ليلته الأولى فى "عالم السدود والقيود".. ومحمد التابعى يحكى: الكاتب الكبير رفع قدمه فى وجه على ماهر عندما زاره

الأحد، 31 ديسمبر 2017 06:03 م
"لبثت فى السجن تسعة أشهر"..  ما الذى قاله "العقاد" فى البرلمان ضد الملك فؤاد فحبسه.. وكيف وصف ليلته الأولى فى "عالم السدود والقيود".. ومحمد التابعى يحكى: الكاتب الكبير رفع قدمه فى وجه على ماهر عندما زاره الكاتب الكبير عباس محمود العقاد
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"لبثت فى السجن تسعة أشهر/  وها أنا ذا فى ساحة الخلد أولد/ ففى كل يوم يولد المرء ذو الحجا/ وفى كل يوم ذو الجهالة يلحد/ وما أقعدت لى ظلمة السجن عزمة/ ففى كل ليل حين يغشاك مرقد/ وما غيبتنى ظلمة السجن عن سنى/ من الرأى يتلو فرقدا منه فرقد/ عداتى وصحبى لا اختلاف عليهما/  سيعهد فى كل كما كان يعهد" هذه الكلمات أنشدها العقاد على قبر سعد زغلول بعد خروجه من السجن، حيث قضى 9 أشهر بتهمة العيب فى الذات الملكية.

عباس محمود العقاد
عباس محمود العقاد

كان الكاتب الكبير عباس محمود العقاد معروفا بمواقفه الحادة والواضحة، ومن ذلك قصة وقوفه ضد الملك فؤاد الذى أراد إسقاط عبارتين من الدستور، تنص إحداهما على أن الأمة مصدر السلطات، والأخرى أن الوزارة مسئولة أمام البرلمان، فارتفع صوت العقاد من تحت قبة البرلمان رافضا ذلك، ومهددا الملك.

البداية كانت مع حكومة النحاس، ففى عام 1930 أعدت الحكومة قانونا لمحاكمة الوزراء الذين يعتدون على الدستور، وقدمته للملك فؤاد لتوقيعه ثم إحالته للبرلمان، وكان الغرض من إصدار هذا القانون صيانة النظام الدستورى لمصر وحمايته لكن الملك فؤاد امتنع عن توقيع مرسوم القانون، ولم يرسله إلى البرلمان فقررت الوزارة تقديم استقالتها احتجاجا على تعطيل صدور القانون.

الملك فؤاد
 

 وترتب على ذلك أن حضر النحاس باشا والوزراء جلسة مجلس النواب، وتلت ذلك مناقشة تكلم فيها عدد من النواب يعلنون تأييدهم لموقف الوزارة، وكان من أبرز الكلمات التى أشعلت حماس الأعضاء، وكان لها صدى سياسى واسع كلمة عباس محمود العقاد، والذى كان وقتها عضوا بمجلس النواب وأيضا كان كاتبا صحفيا معروفا ووقف العقاد قائلا  "حضرات النواب، أرى أن مجلس النواب لابد أن يكون له موقف حازم وواضح من هذا العبث السياسى؛ لأن الأزمة ليست أزمة مجلس الوزراء فحسب، بل هى أزمة مجلس النواب نفسه، بل أزمة الدستور المصرى وليعلم الجميع أن هذا المجلس مستعد لأن يسحق أكبر رأس فى البلاد فى سبيل صيانة الدستور وحمايته.

وفى 15 أكتوبر من عام 1930، مثل عباس العقاد أمام النيابة للتحقيق معه بتهمة "العيب فى الذات الملكية"، وكان بإمكان الملك فؤاد أن يتدخل للعفو عن العقاد، ولكنه لم يفعل ذلك، واستمر التحقيق مع العقاد عدة أيام، ثم صدر ضده أمر رسمى باعتقاله وتقديمه لمحكمة الجنايات، فحكم عليه بالحبس تسعة أشهر، وقضى الأستاذ العقاد مدة حبسه فى سجن القلعة.

الليلة الأولى فى السجن

عالم السدود والقيود
 

فى كتاب "عالم السدود والقيود" كتب العقاد عن تجربة السجن، وفى مقدمته كتب "هذه الصفحات هى خلاصة ما رأيته وأحسسته، وفكرت فيه يوم كنت أنزل "عالم السدود والقيود"، وأشعر ذلك الشعور وأنظر إلى العالم من ورائه ذلك النظر، لست أعنى بها أن تكون قصة، وأن كانت تشبه القصة فى سرد حوادث ووصف شخوص، ولست أعنى بها أن تكون بحثا فى الإصلاح الاجتماعى وإن جاءت فيها إشارات لما عرض لى من وجوه ذلك الاصلاح، ولست أعنى بها ان تكون رحلة، وان كانت الرحلة فى كل شىء"

وفى الكتاب صور العقاد أخلاق النزلاء وأساليبهم فى التعامل والتهريب ولغاتهم الخاصة التى لا يفهمها غيرهم، ولم ينس العقاد تصوير السجن والقائمين عليه من رجال الضبط والربط.

وفى الكتاب صور "العقاد" الليلة الأولى له فى السجن بشكل فلسفى  وتحدث عن "فرجيل، ودانتى، فى الكوميديا الالهية، وأيضا وجه خطابه إلى يوسف بن يعقوب فى سجنه أمام تلك المعاناة الذاتية التى تتدفق بمشاعر الألم، والنزوع الى عالم غير ذلك العالم المظلم الذى يعيش فيه... فتكاد لا ترى له وجودا.

محمد التابعى يكتب العقاد

محمد التابعى
محمد التابعى

ومما يذكر فى هذا الشأن ما كتبه الكاتب الصحفى الكبير "محمد التابعى"  فى  مجلة "آخر ساعة" بعنوان "ذكريات من سجن مصر" وفيه "شكا عباس العقاد من شدة البرد وقال إنه مريض، وجاء طبيب من مصلحة السجون وأيد العقاد فى شكواه، وكانت (زنزانة) العقاد، مثلها مثل سائر حجرات وغرف السجن، ذات نافذة مفتوحة إلا من القضبان الحديدية، وبعد مكاتبات ومفاوضات بين مصلحة السجون ووزارة الحقانية (العدل) التى كانت السجون تتبعها فى ذلك الوقت وافق الوزير الداخلية على تغطية النافذة بألواح من الزجاج تفتح وتغلق حسب الحاجة.

وذات يوم ذهب الوزير وكان الرئيس السابق المرحوم على ماهر (باشا) - يزور سجن مصر..

وفتح الحارس باب زنزانة عباس العقاد.. وهو يعلن بصوت عال (معالى الوزير)،  وكان العقاد متمددا فوق فراشه.. وهنا تعمد العقاد رحمه الله أن يضع ساقا فوق ساق.. و أن تكون قدماه فى وجه معالى الوزير.

ولم ينهض.. تحية واحتراما للزائر الكبير.

وقال على ماهر رحمه الله.. و كان يقف وراءه بعض كبار موظفى مصلحة السجون وضباط السجن.. قال:

- نهارك سعيد يا أستاذ عقاد.

ولم يرد العقاد..

- عندك شكوى يا أستاذ من أى حاجة..

ولم يرد العقاد..

وعاد وزير الحقانية يسأل..

- لك طلبات يا أستاذ عقاد..

سكوت.. وعدم رد.

وانصرف الوزير..

وأغلق الحارس باب الزنزانة.

 وبعد أن خرج من السجن أول جملة قالها إنه "سيستمر ثابتاً على مبادئه ولم يزده السجن إلا صلابة وقوة ونضالا".

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة