صفاء صابر إبراهيم تكتب : ضفائر أنثی

السبت، 28 يناير 2017 08:00 م
صفاء صابر إبراهيم تكتب : ضفائر أنثی ضفائر شعر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جميلةٌ هی كعادتها ، كانت فی ريعان شبابها، مات زوجها وترك لها ثلاثة أطفال وفقر وجوع، ولم تكن تلك الأرملة تملك إلا قطعة أرض صغيرة، كان يزرعها زوجها، استأجرها منها فلاح، وكان يدفع لها نقوداً زهيدة، لا تفی حتی باحتياجات صغارها، فكانت الأم الأرملة تری كل ليلة فی عيون صغارها الحرمان عندما تبحث لهم عن شىء يأكلونه ولم تجد، فكانت تشعر بالعجز وقلة الحيلة من كونها امرأة ضعيفة.
 
ذات يوم قررت أن تتغلب علی ضعفها بأن تتخلی عن أنوثتها وتقوم هی بزراعة قطعة الأرض بنفسها فأخذت الفأس وخرجت للعمل، فكانت مع بزوغ كل فجر جديد تصلی وتدعو الله أن يعينها علی ما تكابده من تعب ومشقة الأرض، تحمل الفأس كما الرجل وتذهب إلی الأرض، رفضت أن تتزوج كی تقوم برعاية صغارها فقط، والناس منهم من ينظر إليها بعين العطف والشفقة ومنهم من ينظر إليها بعين الخبث والطمع، فكانت كل يوم قبل خروجها للعمل تغرس يدها فى الفرن وتدهن من رماده الأسود وجهها ويديها ورقبتها كى تخفى جمالها حتى لا يطمع فيها أصحاب القلوب المريضة . كانت كل يوم تعود قبل الغروب، وهی تجرجر فی أذيالها من شدة التعب، ومع مرور الوقت أسودت بشرتها من الشمس المحرقة، وتشققت قدماها من قسوة التربة، وتخشنت يداها من مسكة الفأس، ودارت الأيام وهی تدور معها فی عجلة الشقاء والتعب.
 
وذات يوم نظرت فی المرآة التی لم تنظر فيها منذ وقت طويل، فوجدت كل شىء قد تبدل، وتكاد أن لا تتعرف علی نفسها، فی تلك اللحظة أدركت الحقيقة التی تحملها ملامحها، وهی أنها أصبحت رجلاً فی كيان امرأة، لا شىء يميز أنوثتها غير ضفائرها الطويلة التی كانت تلفهما كالعمامة حول رأسها ، وتربطهما بشالِ زوجها الأبيض، جلست تفكر ثم انهالت دموعها الحارة علی وجهها المتعب، فعمدت إلی دولابها وأحضرت منه المقص، وقامت بقص ضفائرها الطويلة، لقد فعلت ذلك لأنها تعلم أنها اليوم أصبحت فی غنی عن الاحتفاظ بشعرها الطويل، لأنها أصبحت تعود الآن من الأرض متعبة لا وقت لديها للاهتمام بجمال شعرها وتزيينه . مثلما كانت تفعل قبل سابق، فقررت أن تتخلص منه لأنه يذكرها بأنوثتها التی دُفِنت بموت زوجها، فهی الآن لا حاجة لها لتلك الضفائر ، حملت ضفائرها بين يديها كأنها ترثی طفلاً صغيراً وافته المنية ثم وضعتهم فی صندوق، فكانت تأتی كل ليلة وتحضر الصندوق وتجلس كی تبكی علی أطلال شبابها الذی مات، دخلت عليها ابنتها الصغيرة فی إحدى المرات والأم تبكی، فقالت لها: أليست هذه ضفائرك يا أمی التی قلتِ أنها سُرِقت منكِ !؟ قالت الأم: نعم، قالت الطفلة : ولماذا تبكين الآن يا أمی؟ قالت الأم : ابكی لأن السارق جاء اليوم ولم يجد عندی أى شىء كى يسرقه.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة