سهيلة فوزى

الـ"جمال" الذى أحبه

الجمعة، 29 يوليو 2016 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشهد قصير يمر سريعا فى فيلم "دكان شحاتة" محمود حميدة يستمع إلى السيرة الهلالية، ويطلب من ابنه شحاتة -عمرو سعد- أن يحرك صورة عبد الناصر القابعة على الجدار حتى تدارى شرخا كبيرا فى الحائط، يقوم شحاتة لتنفيذ رغبة أبيه يصيح بعدها قائلا: مش هتداريه كله الشرخ كبير، فيرد الأب معلش تدارى اللى تقدر عليه.. أعادنى المشهد لذكرى صورة لطالما تساءلت فى طفولتى عن سر وجودها فى بيوت قريتنا...
وجه مهيب تنبت فيه عينان لامعتان حادتان كالصقر المتأهب أضفت على الوجه هيبة، ووقار، وخلفية زرقاء كالسماء الصافية أضافت على الصورة بهاءا وجاذبية، يحددها برواز خشبى قديم يتدلى على الحائط بخيط دبارة متهالك، لكنه قادر فى الوقت ذاته على تحمل مسئولية الحفاظ على مكانة الصورة فى صدارة مندرتنا الصغيرة فى البلد، عبثا ألقى عليه التحية فور وصولنا البيت فى أجازات الأعياد التى نقضيها فى بلدنا، لا أتلقى ردا بالطبع، فأقابل صمته على تحيتى بابتسامة فخر أنه يحيا بيننا، لا يوجد صورة له فى بيتنا بالقاهرة، فقط فى البلد تنتشر صوره هنا وهناك، وتزين منادر العديد من البيوت كان بيتنا أحدها، ومندرة جدتى لأمى فى القرية المجاورة، فى الصغر كنت أظنه أحد الأقارب الراحلين عن عالمنا، وضع أبى صورته ليحيا بيننا بعد أن فارقنا مجبرا لتظل ذكراه حاضرة بيننا، حتى أدركت أن صورته لم تعلق هنا وهناك لصلة قرابة أونسب، لكنها المحبة وحدها لا صلات الدم فرضت على كثير من الصعايدة أن يزينوا بيوتهم الصغيرة بصوره الكبيرة ويحيطونها بالمحبة والاهتمام.

فخرهم أن تقوم ثورة تضع على رأس الدولة صعيدى من بلادهم المنسية، فصارت محبة عبد الناصر فى قلوب كثير من الصعايدة كاللبن الحليب لم يعكرها الزمن، ولا محاولات النيل من سيرته، لاحقتنى الصورة فى مندرة بيتنا، ومندرة جدتى تعلقت بها، وما أن التحقت بالمدرسة الابتدائية حتى ظل اسمه مقرونا باسمى على كراساتى، وكتبى سبع سنوات كاملة، يزين أسماؤنا بعض شخصيات ديزنى الشهيرة أو الأزهار الزاهية –لو كنت أعلم وقتها بالعداء الكبير بين عبد الناصر والأمريكان لمحوت شخصيات ديزنى، واكتفيت فقط بالأزهار الزاهية تزين استيكر اسم الطالب تحمل اسمى كاملا، وتحته اسم المدرسة جمال عبد الناصر الابتدائية، ومن بعدها الإعدادية، وكأن القدر يريدنى ألا أنسى يوما فضل عبد الناصر علينا، على أبناء الفلاحين والبسطاء الذين لم يحلموا يوما أن يدخل أبنائهم المدارس، وينالوا تعليما مجانيا، وأن يصنعوا مستقبلا مختلفا عن آبائهم أن يملكوا القدرة على تشكيل حياتهم خارج إطار أولاد الفقراء يعيشون ويموتون ويبعثون فقراء، لا يحق لهم أن يحلمون بغد أفضل، لا يحق لهم أن يطمحوا فى مباشرة أعمالا غير الفلاحة، والحرف البسيطة التى لا تتطلب تعليما، لو أن تاريخ إنجازات عبد الناصر توقف عند مجانية التعليم لكفى به إنجازا.

بعد سنوات طويلة ورغم الخدوش التى علقت بالصورة بعد قراءة التاريخ بعيدا عن مقررات المدارس، وإدراك كثير من التجاوزات إلا أن تلك الخدوش لم تستطع محو بهاء الصورة وهيبتها فظل رغم التحفظات محل محبة لن تقل يوما أبدا.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة