سعد الدين الهلالى

رؤية الهلال والعدد المثبت لها

الإثنين، 16 يونيو 2014 11:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إذا وقعت الرؤية بالبصر فلا خلاف بين الفقهاء على وجوب العمل بمقتضاها لأنها السبيل المتاح والشائع للإنسان

عرف الناس قديما أهمية الشمس والقمر فى التعرف على الساعات والأيام والليالى والشهور والسنين، وكانت هذه هى البداية لحضارة الإنسان التى وصلت فى أواخر القرن الماضى إلى الفيمتوثانية، وهى وحدة الزمن التى تقدر بواحد على مليون من البليون من الثانية، على يد العالم المصرى الدكتور أحمد زويل، وما سيأتى من علم للإنسانية سيكون أعجب مما رأينا؛ لأن الله تعالى خلق هذا الكون بقدر بحيث يمكن لكل صاحب عقل مرتب أن يقرأه، وعلى قدر ملكتك من العقل تعرف منزلتك من علم قراءة الكون، وصدق الله حيث يقول: «إنا كل شىء خلقناه بقدر» «القمر: 49»، وقال عن الشمس والقمر: «الشمس والقمر بحسبان» «الرحمن: 5»، أى يجريان متعاقبين بحساب مقنن لا يختلف ولا يضطرب، كما قال سبحانه: «لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون» «يس: 40»، وقال جل شأنه: «هو الذى جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون» «يونس: 5».
ومن منازل القمر الشهرية عرف الإنسان عدد الشهور، وأطلق عليها الأسماء، ولم يكن الله عز وجل ليترك الإنسان من دون سبب لهدايته، كما قال سبحانه: «وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا» «الإسراء: 15»، فكان من هذا الهدى تعظيم بعض تلك الشهور لتكون نقاط تحول لما هو الأفضل للإنسان دائمًا، كما قال تعالى: «إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً فى كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم» «التوبة: 36»، وكانت البداية تحريم المبادرة بالقتال فيها إلى أن جاء الإسلام ليجعل تلك الأشهر الحرم دوافع لتعظيم الخير وتقبيح الشر، وتجاوز مبدأ تحريم المبادرة بالقتال فيها بعد أن جعل هذا المبدأ هو القاعدة فى كل الشهور دون بعضها، وجعل الإذن بالقتال دفاعاً عن النفس وحقوقها فى كل وقت، كما قال تعالى: «وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين» «البقرة 190»، وأبقى الإسلام أسماء الشهور التى اتخذها العرب قديما، كما نص على ذلك علم الدين السخاوى فى جزء جمعه تحت اسم «المشهور فى أسماء الأيام والشهور»، وفى هذا تأكيد لتواصل الإسلام مع الحضارات الإنسانية.
وازداد المسلمون حرصًا لمعرفة الأهلة واستقبالها؛ لأن دينهم لازم بين أحكامهم العملية الشرعية وبين الزمن فى إشارة بليغة إلى دراسته، فقال سبحانه: «يسألونك عن الأهلة قل هى مواقيت للناس والحج» «البقرة: 189»، وقد ذكر المفسرون أنها نزلت بمناسبة سؤال بعض الناس عن حكمة خلق الأهلة، فكان الجواب أنها مواقيت فى صومهم وإفطارهم وحجهم وزكاتهم وعدة نسائهم ومحل دينهم، وقد أخرج الطبرانى والدارقطنى بسند فيه مقال من حديث طلق بن على، كما أخرجه ابن خزيمة فى صحيحه والحاكم وصححه من حديث عبدالله بن عمر، أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: «جعل الله الأهلة مواقيت للناس، فإذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأتموا العدة ثلاثين»، ومن هنا أجمع الفقهاء على وجوب طلب رؤية الهلال فى كل شهر؛ لأن أداء واجباتهم الدينية فى الصيام والحج ونحوهما مرتبط بها، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كما نص على ذلك الأصوليون.
وإذا وقعت الرؤية بالبصر فلا خلاف بين الفقهاء على وجوب العمل بمقتضاها؛ لأنها السبيل المتاح والشائع للإنسان، ومع ذلك فقد اختلف الفقهاء فى عدد الشهود الذين تثبت بهم هذه الرؤية حتى يتحقق الاستيثاق منها، وذلك على أربعة مذاهب فى الجملة.
المذهب الأول: يرى أن رؤية الهلال فى كل شهر لا تثبت إلا بشاهدين فأكثر، وهو قول الإمام مالك وأكثر أصحابه، والبويطى من الشافعية، وحجتهم: ما أخرجه النسائى عن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب الناس فى اليوم الذى يشك فيه، فقال: ألا إنى جالست أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسألتهم، وأنهم حدثونى أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته وأنسكوا لها فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين يوما فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا»، كما أخرج أبو داود أن أمير مكة الحارث بن حاطب خطب الناس فقال: أمرنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن نمسك لرؤيته فإن لم نره فشهد شاهدان عدلان نسكنا بشهادتهما».
المذهب الثانى: يرى أن رؤية الهلال فى كل شهر تثبت بشاهد واحد، وهو مذهب الظاهرية، وبه قال أبو ثور وطائفة من أهل الحديث واختاره ابن رشد المالكى وإمام الحرمين من الشافعية، وحجتهم: ما أخرجه ابن حبان وأبو داود والنسائى والترمذى والدارقطنى بسند فيه مقال عن ابن عباس قال: جاء أعرابى إلى النبى- صلى الله عليه وسلم- فقال: أبصرت الهلال الليلة، فقال النبى، صلى الله عليه وسلم: «أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله؟»، قال: نعم: قال: «يا بلال أذن فى الناس أن يصوموا غداً»، كما أخرج أبو داود من حديث ربعى بن خراش عن رجل من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: كان الناس فى آخر يوم من رمضان، فقام أعرابيان فشهدا عند النبى- صلى الله عليه وسلم- بالله لأهل الهلال أمس عشية، فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يفطروا، وأن يغدوا إلى مصلاهم.
المذهب الثالث: يرى التفصيل بين هلال شوال الذى لا يثبت إلا بشاهدين، وبين سائر الأهلة التى تثبت بشاهد واحد، وهو المذهب عند الشافعية، وإليه ذهب الحنابلة، وحجتهم: مكان التهمة التى تعرض للناس فى هلال الفطر ولا تعرض فى هلال الصوم، فالفساق يكذبون عادة فى الفطر، ولا يكذبون فى الصوم لمشقته.
المذهب الرابع: يرى التفصيل بين الهلال فى حال الغيم الذى يثبت بشاهد واحد، وبين الهلال فى حال الصحو الذى لا يثبت إلا بالاستفاضة، وقيل: بشاهدين على الأقل، وهو مذهب الحنفية، وحجتهم: أن حال الصحو يجعل الهلال بارزاً لعامة الناس فإذا لم يره إلا شخص واحد اتهمناه، أما فى حال الغيم فقد يكون هذا الشاهد هو المتيقظ عن غيره، فلذلك عملنا بشهادته.
وقد اختار المصريون فى مراصدهم قول الإمام مالك وأكثر أصحابه والبويطى من الشافعية الذين اشترطوا لثبوت الهلال فى كل شهر شاهدين، وذلك فى حال الاعتماد على الرؤية البصرية؛ لكون الشهادة استيثاقًا وليست تعبداً، والاستيثاق لا يتحقق غالبًا بالشاهد الواحد، وعندما ترك المصريون العمل بالمذاهب الأخرى التى قال بها الجمهور فى ثبوت رؤية الهلال لم يكن لفسادها فى نظرهم، وإنما كان مراعاة لطبيعة الشعب المصرى فى تلقى الأقوال الفقهية بالقبول، ولذلك لم يعب الشعب المصرى على بعض الدول الإسلامية والعربية التى تعتمد رؤية الهلال بالشاهد الواحد وترصد له جائزة؛ لكون هذا الاتجاه مذهبًا فقهيًا صحيحاً فى ذاته، قال به الجمهور من الشافعية والحنابلة والظاهرية وطائفة من أهل الحديث فى الجملة، واستكمالاً لطبيعة الشعب المصرى فى استساغة الأقوال الفقهية والاختيار منها. نكمل حديثنا عن تطور رؤية الهلال من النطاق البصرى إلى النطاق العلمى، وذلك فى اللقاء القادم بإذن الله.








مشاركة

التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

mohamed

كفاية رؤيتك انت يا هلالى !

ملك الفضائيات والاثير !

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة