سعد الدين الهلالى

تحريم الاحتكار على التاجر والمنتِج

الإثنين، 21 أبريل 2014 08:39 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نعالج فى هذا المقال مسألتين متعلقتين بقضية الاحتكار، لبيان اختيار المصريين لأقوال الفقهاء فيها، اعتمادا على مبدأ تقديم المصلحة التى ترعى شؤون الناس من دون التبعية لما يعرف بمذهب الجمهور، فإذا كان الاختيار قد وقع على مذهب الجمهور فليس لأنه قول الجمهور، وإنما لأنه الذى يحقق مصالح الناس.
المسألة الأولى: دلالة النهى عن الاحتكار، فمع الاتفاق على أن الإسلام نهى عن الاحتكار فى نصوص قرآنية ونبوية منها قوله تعالى: «ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم» (الحج: 25)، حيث ورد فى تفسير هذه الآية الكريمة أنها جاءت فى النهى عن الاحتكار، وقد ذكر القرطبى فيها ما أخرجه أبو داود بسند ضعّفه الألبانى عن يعلى بن أمية أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال: «احتكار الطعام فى الحرم إلحاد فيه»، وهو قول عمر بن الخطاب، ومما ورد فى النهى عن الاحتكار أيضًا ما أخرجه مسلم عن معمر بن عبدالله، أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال: «من احتكر فهو خاطئ»، وفى رواية: «لا يحتكر إلا خاطئ. وأخرج الحاكم بسند ضعيف عن عمر بن الخطاب، أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «المحتكر ملعون»، إلا أن الفقهاء اختلفوا فى دلالة هذا النهى، هل هو للتحريم أم للكراهة، على مذهبين فى الجملة نوضحهما فيما يلى:
المذهب الأول: يرى أن المقصود من النهى عن الاحتكار فى النصوص القرآنية والنبوية هو التحريم قطعًا، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء، بعض الحنفية وهو مذهب المالكية والحنابلة والظاهرية وأكثر الشافعية، بل اعتبره بعضهم كابن حجر الهيثمى «ت 973 هـ» من الكبائر، وحجتهم: ما ورد من نصوص تلعن المحتكر، وما يترتب على الاحتكار من ظلم واستبداد، وإضرار بعامة الناس، هذا بالإضافة إلى الأخذ بحكم الأصل فى النهى، وهو التحريم.
المذهب الثانى: يرى أن المقصود من النهى عن الاحتكار فى النصوص القرآنية والنبوية هو الكراهة، فلا بأس من الاحتكار وإن كان خلاف الأولى أو خلاف ما ينبغى أن يكون. وقد ذهب إلى هذا أكثر الحنفية وبعض الشافعية، وحجتهم: مشقة الاحتراز من الاحتكار ولو فى بعض الأزمنة والأمكنة، كما أن الاحتكار قائم على تملك السلعة، وهذا مكفول لكل أحد.
وقد اختار المصريون مذهب الجمهور الذى يرى تحريم الاحتكار وذم المحتكر شرعاً، لأن هذا المذهب هو الذى يوسع على الناس أرزاقهم، فمن يتعظ بتحريم الاحتكار سيمتنع عنه، وهذا سبيل التوسعة، وترك المصريون مذهب الحنفية وبعض الشافعية الذين قالوا بعدم تحريم الاحتكار، وأن النهى عنه إنما جاء لبيان الكراهة، لأن هذا القول يروج للاحتكار الذى يضيق على الناس فى أرزاقهم.
المسألة الثانية: صفة تملك السلعة محل الاحتكار، حيث اختلف الفقهاء فى تلك الصفة على مذهبين فى الجملة.
المذهب الأول: يرى أنه يشترط لتحقق الاحتكار شرعاً أن يكون تملك المحتكر للسلعة بطريق الشراء، فلا احتكار من البائع إذا كان هو المنتج للسلعة كالصانع أو الزارع إذا حبس صناعته وزراعته، أو كان هو الجالب للسلعة من سوق غير سوق المدينة، أو من السوق الذى اعتادت المدينة أن تجلب طعامها منه، وهذا مذهب جمهور الفقهاء، وحجتهم: أن الصانع أو الزارع أو الجالب صاحب فضل، فلا يأثم بفضله، بخلاف المحتكر بالشراء فإنه بقدرته الشرائية حبس السلعة عن الناس.
المذهب الثانى: يرى أن العبرة فى الاحتكار إنما هى باحتباس السلع بحيث يضر بالعامة سواء كان تملكها بطريق الشراء أو بطريق الإنتاج أو بطريق الجلب من سوق غير سوق المدينة، أو كان بطريق الادخار لأكثر من حاجته وحاجة من يعول. وإلى هذا ذهب بعض المالكية وهو منقول عن أبى يوسف من الحنفية، وحجتهم: أن ضرر الاحتكار يلحق الناس بكل صفة مما سبق ذكرها، وقد أخرج الطبرانى وأحمد وابن ماجه عن ابن عباس أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا ضرر ولا ضرار».
وقد اختار المصريون قول بعض المالكية وما روى عن أبى يوسف الذين قالوا بحقيقة الاحتكار المنهى عنه ولو كان البائع مالكا للسلعة المحتكرة بغير طريق الشراء، لأن هذا القول هو الذى يرفع عنهم الضرر، وترك المصريون مذهب الجمهور الذى يرى انعدام صفة الاحتكار إذا كان البائع مالكا للسعلة المحتكرة بغير طريق الشراء كالمنتج والجالب، لأن قول الجمهور هذا يرتب ضررا على عموم الناس، ويوقع الظلم فى المجتمع، ولا عصمة لقول الجمهور، فهو مع كثرة القائلين به لا يخرج عن كونه صوابًا يحتمل الخطأ مثل القول الفقهى المخالف له فى نظر أصحابه، وإذا كان الفقيه سيد قرار اجتهاده، وله الحق كلما وجد داعية أن يتحول عن اجتهاده إلى اجتهاد آخر، فكذلك عامة الناس هم أسياد قرارهم فى الاختيار الفقهى، ولهم التحول من قول فقهى إلى قول فقهى آخر، كلما وجدوا لذلك مقتضى من مصلحة دون وصاية الفقهاء.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة