تسبحُ إسرائيلُ فى بحرٍ من الدم، هكذا كانت منذ نشأتها ولا جديدَ اليوم. الطعنةُ النافذةُ فى قلب غزَّة تكرارٌ لسوابق لا حصرَ لها، وخبراتُنا كلُّها تُؤكِّد أنَّ الحرب رياضةٌ مُحبَّبة للصهاينة؛ إذ يُحقِّقون فيها ما يشقُّ عليهم فى أزمنة الهدوء.
طالت مداولاتُ تكوين الحكومة الجديدة. نحو ثلاثة أسابيع منذ الاستقالة، وفى عُرفِ السياسة قد لا تكونُ مُهلةً طويلة؛ إنما لو قارنها البعضُ بسابقة الدكتور مصطفى مدبولى نفسه مع وزارته الأولى.
لا يستقيمُّ الظلُّ والعُودُ أعوج، كما قِيلَ قديمًا. وأوَّل الاعوجاج أن تستَدعِىَ الماضى بما فيه من نُدوبٌ وقُروح، مُتغافلاً عمَّا يُمكن أن يطبع به الحاضر من عوارٍ وتناقضات. الأصلُّ أنّنا أبناء اليوم.
يحدثُ أن تندلعَ النزاعاتُ فى الجغرافيا ويُطفئها التاريخ، أو العكس. إنّما ما يتأجَّجُ منها فى المسارين معًا يكتسبُ طابعًا حارقًا وصِفَةً وجوديّةً ثقيلةَ الوَطء، ويصيرُ الذهاب به إلى التصفية أو التسوية أصعبَ وأكثر كُلفةً.
لا شىءَ يُعادل بهجةَ الحجيج بالوقوف بين يدى الله. روحانيّةُ الرحلة وطقوسُها التعبُّديّة تفوقُ كلَّ خيالٍ وتوصيف، وتُسبِغُ على الروح سَكينةً وتملأُ القلبَ بالإيمان والطمأنينة. وعلى قدرِ جلالِها تكون المَشقَّة؛
تلعبُ الولاياتُ المُتّحدة فى فريق إسرائيل؛ لذا عندما تُحرز أهدافًا فإنها تكون لصالحها قطعًا. وأحدثُ اختراقاتها النجاح فى تمرير مشروع قرارها من قناة مجلس الأمن؛ لا ليدعو إلى مُقدِّماتٍ للهُدنة وتبادُل الرهائن فحسب.
صارت الحربُ حروبًا، ونتنياهو على الجبهة يضربُ فى كلِّ اتّجاه. الفكرةُ الوحيدة التى تُحرّكه ألَّا يربحَ الخصومُ؛ ولو قاده ذلك إلى خسارةٍ تتكشَّفُ ملامحُها يومًا بعد آخر..
انقضى أسبوعٌ بالتمام منذ استقالة الحكومة، أو بالأحرى تكليف مصطفى مدبولى بتشكيل وزارته الثانية بعد ستِّ سنواتٍ من الأُولى. وما بين بُورصة التكهُّنات، وتِرداد بعض التوقُّعات عن الباقين أو الراحلين.
رغم فداحة الحال فى غزّة تحت النار؛ فالأخطر قد تحمله رياحُ التهدئة. ولا يعنى ذلك أنَّ استفراد الموت بالناس أَوْلَى من فَتح كُوّة لهم على الحياة؛ مهما بدت شديدةَ الضِّيق والاستعصاء.
التهدئةُ فى عُرف نتنياهو ليست إلّا حربًا مُؤجّلة. وهو إذ يشترى ورقةَ الأسرى؛ فإنه يُرجئ هدفَ القضاء على «حماس» لوقتٍ آخر. ولا يستنكفُ أن يُصرِّح بذلك وهو بصدد الانخراط فى صفقةٍ جديدة للتبادُل ووَقف إطلاق النار.
كانت ورقةُ الاتفاق جاهزةً؛ عندما قرَّر نتنياهو بإرادةٍ فرديّة أن يُضحِّى بحصيلة ثلاثة أشهر من المفاوضات، بين باريس والقاهرة والدوحة وتل أبيب. واليوم يُخرِج من قُبّعته مُقترَحًا جديدًا.
كانت الفكرةُ أوّلاً أن تُوصَل القنواتُ المقطوعة بين مُكوّنات البيئة السياسية، ثمَّ أن تختبر القُوى بطَيفها المُتنوِّع مساحات الوِفاق والشِّقاق فى الخطابات والرُّؤى،
تبدأ الحروبُ وتنتهى فى ميدان السياسة. الانسدادُ يُفضى إلى الصدام، والخشونةُ تفتحُ الآفاقَ المُغلقة. هكذا يُفترَضُ أن تعملَ ماكينةُ الصراعات بين الدول؛ إنّما قد يبدو السلاحُ فى بعض الأحيان مَوضوعيًّا أكثر من الحوار.
تجرَّعت إسرائيلُ كأسَ اليمين المُتطرِّف بكاملها؛ حتى لم يعُد فى جوفها فراغٌ لهواء آخر. والنزاعات التى كانت تُدار على أجنداتٍ سياسية مُتمايزة فى قليلٍ أو كثير.
الفنُّ ليس أكثر من طاقةٍ تتدفّق فى شرايين التفاصيل العادية؛ فتمنحها وَهجًا ساحرًا. وحلاوته الخالصةُ عندما يأخذُ اليوميات الرتيبة من أيدى الناس، ويمنحهم الدهشةَ والجمال بدلاً منها.
الحربُ مسؤولية أطرافها المُباشرين، وإنهاؤها أيضًا.. لقد كانت عملية «طوفان الأقصى» حصادًا لمواسم طويلة من زراعة الظلم، ونتاجًا لعلاقة التخادُم بين اليمين الإسرائيلى فى أردأ صوره الليكودية.
الحربُ مسؤولية أطرافها المُباشرين، وإنهاؤها أيضًا.. لقد كانت عملية «طوفان الأقصى» حصادًا لمواسم طويلة من زراعة الظلم، ونتاجًا لعلاقة التخادُم بين اليمين الإسرائيلى فى أردأ صوره الليكودية
اصطُنِعت محنةُ فلسطين بالقانون؛ لذا لن تُدَاوَى إلَّا به، طال الوقتُ أم قصُر. لكنَّ المشكلة أنَ الخصمين ينظران له من زاويةٍ انتقائية؛ فالجانى تقبَّل قضاء التأسيس ثمَّ أغلق البابَ خلفه.
ضفتان متقابلتان؛ لكنهما أقرب لانعكاس الصورة فى المرآة، بأكثر ممّا تُعبّران عن حال التضاد الكامل. تجمدت القضية الفلسطينية ميدانيا وتحركت فى الأيديولوجيا والمكونات الفكرية والنفسية للصراع
ينطلق الجميعُ من بدايةٍ تقليدية؛ فيقولون: تنعقدُ القمّة العربيّةُ فى ظرفٍ استثنائىٍّ؛ فمُنذ متى لم يكن الاستثناءُ يُحوِّطها؟ حتى النسخةُ التأسيسية التى لا تعدُّها الجامعةُ فى روزنامة القِمَم، أنشاص 1946.